الاثنين، 17 أكتوبر 2011

الخيط الرابط

"يُعرف الطريق بالمشي" كانت هذه الحكمة الصينية الشعار الذي ظللت أوقّع به كتاباتي في بعض المنتديات التونسية على الانترنت وأساسا منتدى تونيزين TUNEZINE منذ تأسيسه قبل 9 سنوات. وكنت أُرفق هذه الجملة دائما بصورة متحركة لرجل آلي أزرق يمشي ليلا نهارا ولا يكلّ من المشي. كنت أعتقد آنذاك أن المشي، أي الفعل والنشاط، هو وحده الكفيل بتعريف بقية الطريق وتوضيح الوجهة والمسار ..
ربّما كان اعتمادي لذلك الشعار ردّا على العديدين من حولي آنذاك الذين كانوا يقفون على الرّبوة يراقبون ويعلّقون عن الذين يمشون يمنة ويسرة دون أن يتحرّكوا هم في أي اتجاه .. أو على أولئك الذين توقّفوا عن الحركة خوفا من أن يضلّوا الطريق، وفضّلوا الانتظار حتّى تنجلي الغيوم .. وظلّوا ينتظرون وينتظرون ولا زال بعضهم ينتظر.. ومن شبّ على الانتظار شاب عليه للأسف الشديد..
لم يكن الدرب سهلا ولا واضح المعالم ولا معلوم العواقب، كان مليئا بالمطبّات والمنعرجات والمفترقات .. وما أدراك ما المفترقات.. تلك المحطّات الفارقة في حياة الفرد والمجموعة، عندما يجد الإنسان نفسه ضعيفا أمام رهبة الاختيار .. خصوصا عندما يتعلّق الأمر بالفصل بين خيارين أحلاهما مرّ، أو عندما تكون الخيارات المختلفة مرتبطة بأبعاد مجهولة ومعطيات ناقصة.. وكثيرا ما كان الأمر كذلك ..
خسرت أعزّ الأصدقاء في بعض تلك المفترقات، ووجدتني أجدّف عكس تيار جارف في مفترقات أخرى..
مررت أحيانا بلحظات شكّ وتساؤل؛ أيُعقل أن يكون الطريق الذي سلكت بعد المفترق صحيح والحال أن الكثير من ذوي العقل الحصيف والخبرة في الحياة سلكوا المسلك الموازي أو المضادّ أحيانا ؟؟ ولكنني لم أتوقف عن المشي تملأني قناعة أنني سأكون قادرا، إن بيّن المشي خطأ الطريق، على تصحيح الوجهة وتصويب المسار ..
كانت تقودني في مساري بوصلة ذاتية مندمجة متعدّدة الأبعاد ومعقّدة التركيب: يقين غيبي عميق، وعناد أرعن في هدوء، وروح مغامرة تقترب من التهوّر ولا تصله، وبعض قدرة على الفهم والتحليل ...
كنت في غمرة المشي المتواصل لا أجد الفرصة للتوقّف والتقييم والنظرة النقديّة الفاحصة إلى الخلف.. كنت أكتب دائما دون أن أُعيد قراءة ما كتبت.. وكم أنا سعيد بهذا الخلل البنيوي الذي مكّنني من التقدّم على هدي من البوصلة دون إضاعة وقت في التساؤل والمراجعات .. 
كانت سعادتي أكبر عندما وجدتُني يوم لبّى التونسيون نداء إرادة الحياة في المسلك الأقرب لضمير الشعب .. وأدركت يوم استجاب القدر أن بوصلتي لم تخنني بفضل الله وأنّه يمكنني مواصلة الثقة فيها والسير على هديها دون أن أخشى ضلالا.
تغيّر المشهد كلّيا وتسارعت خطوات المشي في طُرق أرحب أقلّ اعوجاج ولكن أكثر إثارة وغموض.. ظللتُ أمنّي النفس باستراحة مقاتل أستجمع فيها أنفاسي وأنظر فيها بتمعّن عبر المسافات المطوية إلى أول الطريق..  
لم تأت تلك الفرصة بعد، وقد لا تأتي قريبا، ولكنني ظللت استرق النظر إلى الوراء من حين لآخر بين الخطوة والأخرى خلال الأيام الماضية، نفضا لذاكرة علاها غبار المسير وتجميعا لما كتبت منذ أن ولجت عالم الكتابة ودخلت عصر التعبير الإلكتروني ..
وضعت كل ما وجدت من نصوص وكتابات في مدونتي هذه (*) ورتّبتها ترتيبا كرونولوجيا دون أي فرز أو غربلة ودون أن أحوّر حرفا واحدا من النسخة الأصلية.. لم أجد، ولله الحمد والمنّة، أي ضرورة لإخفاء أو حذف أو تعويض مقال أو فقرة أو حتى لفظ ممّا كتبت .. كم كان سيعذّبني أن أجد نفسي مدفوعا للتنصّل ممّا خطّت يُسراي ذات يوم (لأنني أعسر أكتب باليد اليسرى)، أو أن أجد نفسي مضطرّا لتبرير زلّة قلم أو نشاز أو انقلاب موقف .. كنت سأعتبر ذلك بمثابة الوأد العمد لوليد جاء ثمرة نزوة عابرة.. ولكن شيئا من ذلك لم يحدث بفضل مقلّب القلوب ..
لم ينته جهد التجميع والتأثيث بعد، ولكنني أفتح لكم على الرحب والسعة بيتي الجديد هذا وأدعوكم بكل ودّ للتجوّل في أركانه والتمعّن في محتوياته علّكم تعينوني مشكورين في إدراك الخيط الرّابط ..
مرحبا بكم

هناك تعليق واحد:

  1. النص جاء كله في صيغة الأنا ، هذا يوحي بنرجسية عالية !!! ألم يكن الأجدر التحدث في صيغة الإنسان ، أي العام ، حتى يتجاوب القارئ أكثر مع وجدانك ؟؟؟؟

    ردحذف