السبت، 13 ديسمبر 2008

خاطرة: حول واجب الحفاظ على الذاكرة

  تخيل معي لحظة، أيها القارئ الكريم، أنك امتطيت يوما آلة الزمان، وسافرت 50 سنة الى الأمام، ووجدت نفسك في تونس عاصمة الاتحاد المغاربي، في شارع الشهيد فيصل بركات قرب مقر سفارة دولة فلسطين المحررة وأمام مقر الأمانة العامة للسوق العربية المشتركة ... فهل تعرف ما هو أول شئ يجب فعله؟ أنا أعرف: التوجه الى أقرب مكتبة واشتراء كتاب تاريخ لمعرفة ما حدث في البلاد والدنيا منذ لحظة خروجك من التاريخ.
ستغرق في بحر من التواريخ والأحداث وسيل من التفاصيل والشهادات. ستمتلئ بشعور مزيج من الدهشة والانبهار لنضالات جنود خفاء لم يكن يعرفهم الا رب الورى، والخيبة والانكسار لخيانات وحسابات وجوه كان تتقدم الصفوف وتلهب الجماهير وترفع الرايات.
ستغرق في القراءة بالتأكيد، وتمتع الحواس وتشبع غريزة الفضول .. غير أنك ستشعر عند صفحة النهاية حتما بإحساس غريب بالألم، وستتساؤل بكل إلحاح: أهذا هو التاريخ؟
أين أنا في هذا التاريخ؟
أين تفاصيل المعاناة اليومية لسنوات الجمر؟
أين توصيف مأساة السجن وكارثة المنفى؟
أين .. أين .. أين؟
يمضي الحلم، وتعود للواقع ويبقى التساؤل حاضرا ملحا ... لماذا تظل مأساتنا صامتة بكماء؟ ولماذا لا يؤدي كل واحد فينا واجب الشهادة إبراء للذمة وحفاظا على الذاكرة وإشفاء لفضول الأجيال القادمة؟ ..
عماد الدائمي

الثلاثاء، 2 ديسمبر 2008

رسالة إلى قداسة المطران هيلاريون كبوشي: بين عودتكم وعودتنا

بقلم عماد الدائمي

ما نيل المطالب بالتمني ..حقنا في العودة ينتزع ولا يستجدى.. تضامننا هو حجر الأساس لاستعادة حقوقنا والتحرير والعودة”. كلمات خالدة قالها المطران هيلاريون كبوشي مطران القدس المنفي من فلسطين منذ أكثر من ثلاثين عاما في ملتقى دمشق لحق العودة الفلسطيني في موقف مهيب اختلطت فيه دموع المطران الصادقة بتصفيق الحضور وهتافاتهم.

كلمات استمعت إليها بخشوع أمام تلفازي يوم الأحد الماضي، فوجدتها تعبر بدقة متناهية لحد التماهي عن مشاعري وتصوري لمسألة عودتنا معشر المنفيين العرب الفارين من جحيم الدكتاتوريات وتعسف الأحكام العرفية والناجين بجلودهم من اضطهاد الأنظمة الثورية وتسلط الجمهوريات الملكية وتنكيل الحكام المتشدقين بالديموقراطية.

إنكسار المحب المتشوق، وصدق المؤمن المخلص، وعزة الكريم الذي لا يرضى الهوان، وعزيمة الثائر الذي يرفض الانحناء … معاني مكثفة في خطاب المطران.. التقت في خطاب واحد لتعطي لمفهومه للعودة (ومفهومنا) هوية فريدة، تتعالى عن الزمان والمكان، وتخترق جدار المستحيل لتحلق فوق سماء الممكن، في إنتظار لحظة النزول على الأرض الموعودة، لحظة إلتقاء الثالوث المقدس: النية والفعل والقدر.

ما أحلى الحياة بالأمل”، أمل عاش به المطران ثلاثين عاما، وظل طيلة تلك الفترة حيا نابضا لم ينقص منه تعقد الواقع في بلد المنشأ ولا رغد العيش وكثرة المشاغل في بلد الملجأ.

ما أضيق الحياة لولا فسحة الأمل”، ضيق عبرت عنه دمعات صادقة لرجل فاق عمره الثامنة والثمانين، ودب في نفسه المكلومة مع تلك السنين شعور مرير بأنه مغادر لدنيانا هذه قريبا دون أن يطفىء ضمأه بتكحيل عينيه برؤية موطنه وتمتيع جوارحه برائحة ترابه الطاهر. ولكنه الايمان ما أعظمه، يحضر كلما اعترى نفس المؤمن ضعف بشري، ليطرد اليأس ويزيل الهم ويرفع الغم ويبث الأمل من جديد، فينبري المطران من جديد بلغة المتيقن من رحمة ربه والمحتسب له في بلواه والواثق في قدرته وجلاله ليصدع عاليا مدويا أنه “إن لم يعد لوطنه جسدا وحواسا” فإنه عائد حتما روحا وأنه سيحلق بفضل المولى فوق كنائس القدس ومآذنها ليلقي عليها نظرة وداع قبل أن يلقى ربه.

ما أروع تلك الكلمات، وما أجمل تلك العبر، وما أصدق تلك المشاعر.

مزيج عجيب من المشاعر تنازع نفسي وأنا أصغي لتلك الكلمات الخالدة: إشفاق وإعجاب وحزن وفرح وضيق وأمل.

ما أقساه شعور الانسان بأنه قد يموت بعيدا عن وطنه، محروما من حق طبيعي أعطاه المولى بعدل وسواسية لكل خلقه: حق أن يكون لكل شخص موطن ومسقط رأس. ما أشده على النفس شعور حزين بالغبن والقهر لوجود موانع اصطناعية وإرادات خارجية ظالمة تمنع وصلا وتفرض فصلا وتقطع رجاء.

ما أشد وطأتها على القلب مشاعر الحنين والشوق عندما تثور دون إنذار لتهز الوجدان وتشل الحركة وتعقد اللسان.

ما أقواك في ضعفك، سيدي المطران، عندما اعترفت أمام الجميع، في إنكسار عزيز وذل كريم، أنك تلجأ يوميا إلى مكان صغير للصلاة حيث مقر إقامتك في منفاك بروما كلما ضاقت بك الدنيا وهاجمك الحنين والشوق ولا تنطق بأي حرف لأن الله يعرف كل شيء”.

كلمات مزلزلة في إنكسارها، تدك عرش الجبابرة … لو كانوا يفقهون..

نعم، سيدي المطران، “الله يعرف كل شيء” عن حالك وحال كل من حرم العودة إلى المهد وحضن الأم وتراب الآباء والأجداد ومرتع الصبا ومرابع الشباب.. وهو بجلاله ليس بعاجز على أن يردكم، ويردنا، إلى أرض الميعاد، رغم تدبير الأعداء وجبروت الظلمة. ولكنه الابتلاء يا سيدي. ابتلاكم المولى وابتلانا بالضعف والمنفى، وابتلى عدوكم وخصمنا بالقوة الموهومة والملك والجبروت، ليرى ما نحن وهم فاعلون.

عادل سبحانه في خلقه، يهب لمن يشاء سطوة في الدنيا، ولكنه يسلبه راحة البال ومحبة الخلق وطيب الذكر عند الغيب. ويبتلي من يشاء في صحته أو حريته أو يقدر له النفي من موطنه، ولكن يعوضه عن ذلك، إن صبر واحتسب وثبت، طمأنينة القلب وصفاء السريرة وحسن القبول ونصاعة الذكر في تاريخ البشر… وهي نعم ليس لها حدود.

معذرة سيدي إن أسأت فيكم أدبي بمقارنة غربتنا بغربتكم ومنفانا بمنفاكم وعودتنا بعودتكم. فجلالة قضيتكم، أهل فلسطين، وقداسة موطنكم، ومسار نضالكم الخالد وما قدم فيه من أرواح وتضحيات، ومصيرية عودتكم الاستراتيجية إلى مهد الرسالات المغتصب في ظل حرب المشاريع والارادات التي تنخرط فيها كل قوى الخير والشر في العالم… كل ذلك وغيره عوامل تجعل القياس باطلا وموازين الأهمية والأولوية مختلة.

غير أن عذري في جرأتي وسوء أدبي عاملان قد يشفعان لي، أولهما الإستواء بيننا وبينكم في الألم والضعف البشري عندما تلهب مشاعر الشوق والحنين كيان أحدنا وتجرح فؤاده وتطرد سهاده، أو عندما تضيق به الدنيا وهو يسمع نبأ رحيل قريب أو عزيز دون أن يرسم على جبينه قبلة وداع قبل أن يوارى أديم أرض هو محروم من وطئها..

أما العامل الثاني الذي يعدل نسبيا الكفة، كفة العذاب والمعاناة، ظلم ذوي القربى الذي هو أشد وأنكى من ظلم العدو الظاهر. فخصمنا الذي الذي نفانا من ديارنا، يا سيدي، على عكس عدوكم، يتكلم لغتنا ويدين ديننا ويشاركنا أعيادنا. مأساة مضاعفة أن يكون الذي يمنعك من العودة إلى وطنك أخ لدود لك يشاركك في الوطنية وفي التاريخ وفي تحديات المستقبل، اختلت لديه استحقاقات الحاضر وغلبت عليه مصالح اللحظة، فكسر العهد وفرط العقد وشتت الشمل.

سيدي المطران، إن قدسية عودتكم وفرادتها وارتباطها بمسار ومآلات الصراع الأزلي بين الخير والشر، يجعل تحققها في آماد قريبة مسألة عسيرة المنال في حساب البشر. أما عودتنا معشر المنفيين والمهجرين واللاجئين العرب، رغم تعقد شروطها وكثرة عوائقها ورغبة الكثيرين في تجويفها من معانيها، فتبقى أيسر للتحقق.

إذ يكفي أن يستفيق خصومنا ذات صباح ويقرروا أن يرفعوا الحواجز ويزيلوا العقبات مراعاة لمصلحة البلاد والعباد بل ومصلحتهم الشخصية المباشرة (مصلحة استقرار الحكم وتدعيم الشرعية) حتى نعود … وقد حصل ذلك فعلا مع العديد من المهجرين في السنوات الأخيرة (من البحرين والمغرب والجزائر وليبيا). وحتى إن استمر الخصوم على غيهم وعماهم، يكفي أن يتوحد أصحاب القضية ويضغطوا بكل ما أوتوا من جهد وقوة ومن وسائل مدنية إعلامية وحقوقية وسياسية حتى يفرضوا حقهم في عودة كريمة وآمنة ولو كره الكارهون

سيدي، عودتنا ستكون حتما رافدا صغيرا يصب في نهر عودتكم. لأن عودتنا تعني إعادة اعتبار لكرامة البشر في أوطاننا، ورفعا لقيود القهر والتسلط على مجتمعاتنا، وإعادة توجيه لبوصلات شعوبنا الحائرة نحو قضاياها المصيريةوكل تلك شروط لانتصار قضيتكم وتحقق عودتكم.

تأكد في الختام، سيدي المطران، أن قلوبنا ستظل معكم، وأن عودتكم كشعب وقضية، وعودة شخصكم الكريم كرمز حي لكرامة هذه الأمة وعزتها ووحدتها، ستظل من أوكد أولوياتنا.. سواء عدنا للوطن المفدى أو مكثنا معكم في المنفى.

*مهندس تونسي وأحد مؤسسي مبادرة “حق العودة للمهجرين التونسيين”.

الخميس، 2 أكتوبر 2008

الوسط التونسية : خطوات مروعة في الاتجاه الخاطئ

أعاد التاريخ نفسه في الساحة الاعلامية التونسية “المعارضة” وتهاوت مؤسسة ثانية بعد فضائية المستقلة في مستنقع التطبيع مع الدكتاتورية والتملق للسلطة وتمييع القضايا والعزف على وتر المصالحة الموهومة.

مصير بائس اختاره صاحب “الوسط” لموقعه الذي كان طيلة أكثر من سنتين، إذا تجاوزنا بعض فترات التردد، أحد العناوين البارزة لساحة إعلامية وطنية بديلة ومناضلة، دعمت نضالات المجتمع المدني في بلادنا ودافعت عن كل القضايا العادلة وكانت منبرا حرا للكثير ممن حاولت الدكتاتورية وأد كلمتهم وخنق أصواتهم.

أشير ابتداء، أنه لا عداوة شخصية بيني وبين صاحب “الوسط”. بل جمعتنا طيلة السنوات الماضية علاقة إفتراضية نضالية ملؤها الاحترام والتعاون. فلا مصلحة شخصية عندي إذن في التهجم على صديق وزميل ولا في النيل من سمعته. غير أن عوامل أربعة دفعتني لكتابة نصي هذا : غيرة صادقة على المشهد الإعلامي المناضل، المهجري أساسا، الذي تصوب له السهام من كل جانب باعتباري كنت و لا أزال أحد الفاعلين فيه، و جرأة في أن أصدع عاليا بما يفكر فيه الكثيرون دون قوله ترفعا أو حياء أو خشية وحسابا، ونقمة ليس لها حدود على سياسة الاذلال والابتزاز التي تمارسها السلطة المغترة “بتماسكها وضعف أعدائها” على بعض الوطنيين ممن اختل عندهم التوازن بين مصلحة العودة الآنية وبين إستحقاقات الكرامة والتاريخ والمسؤولية الوطنية و الدينية ، وأخيرا أملا في أن تثمر سياسة العلاج بالصدمة عودة للرشد وتصحيحا للوجهة أو على الأقل وخزة للضمير وكفا للأذى.

انتهاكات بالجملة لأخلاقيات العمل الإعلامي

لم يكن تساقط موقع “الوسط التونسية” مفاجأة للكثيرين نظرا لتجربة “التطبيع” السابقة التي أقدم عليها مشرف الموقع قبل سنتين والتي توقفت عندما تلكأت السلطات في تسوية وضعه “القانوني”. ولكن المفاجئ في الأمر كان السرعة التي وأد بها الموضوع والطريقة المنافية لأبسط أبجديات العمل الاعلامي التي اعتمدت في الأمر والاحتقار الشديد الذي أبداه صاحب الموقع لقرائه والمتابعين له.

كثيرة كانت انتهاكات صاحب “الوسط” لأخلاقيات الاعلام الالكتروني وسلوكيات الصحافة الهادفة ولكن سأكتفي بذكر المخالفات الأبرز:
أولا : جاء الاعلان عن تحوير سياسة الموقع التحريرية في شكل نص مقتضب من ثلاثة سطور في صيغة إعلامية فوقية تعلن فيها صحيفة الوسط التونسية “عن تعديل رسمي في هيئة تحريرها المضيقة لتصبح بذلك مقالاتها ونصوصها المنشورة خاضعة لخط عام يهدف الى تحقيق المصلحة الوطنية العامة وازالة حالة الاحتقان الحاصلة بين السلطة ومكونات المجتمع المدني …” . هكذا دون أن يكلف رئيس التحرير الذي “تم الاحتفاظ به” نفسه عناء تفسير موقفه وتوضيح مبرراته لقراء الموقع. والحال أن قرارا محوريا كهذا يتطلب في أصل الأشياء استشارة محبي الموقع ومرتاديه. لقد تصرف رئيس التحرير في الموقع كأنه ملكية فردية صرفة ضاربا بعرض الحائط مشاعر القراء وتقديراتهم ورؤاهم، جاهلا أو متجاهلا أنه لأي مؤسسة إعلامية شخصية معنوية مستقلة بذاتها عن شخصية مؤسسها تكتسب هويتها من هوية كتابها ومرتاديها، وأن أي تحوير جذري لهذه الشخصية ولو من طرف مؤسسها يعتبر خيانة لمن كتب في الموقع مقالا وللأوفياء والمواظبين من قرائه. ولادراك فداحة ما فعل مؤسس الوسط (كما فعله صاحب “المستقلة” من قبل) أدعوكم لتتصوروا معي هذا المثال الخيالي والسريالي : أن يقدم صاحب موقع تقدمي مضاد للرأسمالية بين عشية وضحاها على سحب المحتوى الراديكالي وتغييره باعلانات للكوكاكولا والماكدونالدز بدعوى أنه غير رأيه!! نعم إنه مثال مثير للضحك والاستغراب ولكن ما قام به صديقنا، للأسف الشديد،لا يختلف البتة عن هذا المثال.

أذكر صاحبنا الاعلامي المحنك أن أولى قواعد العمل الاعلامي هي احترام القارئ/المستمع/المشاهد. ولكي لا يبقى مفهوم الاحترام هلاميا محتمل للتأويلات والاجتهادات أعطيك نموذجا واحدا رائدا لاحترام القارئ في ساحتنا الاعلامية التونسية : نموذج جنود الخفاء القائمين على موقع تونس نيوز، الذين أعطوا للساحة دروسا عظيمة في المهنية ورحابة الصدر والتفاني ونكران الذات، عندما طرحوا ذات يوم إستفتاء لقرائهم لمعرفة إذا ما كان عندهم الحق، كباقي خلق الله، في أخذ إجازة قصيرة لإراحة الأعين والأبدان ومحاولة إصلاح ما أفسده العمل اليومي المضني من علاقات إجتماعية. ولعلكم تذكرون مثلي نتيجة ذلك الاستفتاء السريالية (أيضا) التي رفضت منح هؤلاء الاخوة بعض الراحة وقبول هؤلاء الأخيرين لذلك “القرار” كأنه قرار صادر من مشغلهم وإلغائهم للعطلة.

-ثانيا : تجاوز مهني خطير ثاني أقدم عليه مؤسس الوسط بتعديه على الذاكرة وسحبه لمواد نشرت في الموقع، على رأسها مقاله هو “ولتونس حزبها السري : العقبة الكبرى أمام أي اصلاح”!! ونداء “العودة حق واسترداده واجب” الذي كان السيد الكسيبي أحد الموقعين عليه والمتحمسين له!! ، وتحويره لمواد منشورة أخرى، مستغلا استغلالا فاحشا مرونة الاعلام الالكتروني ومنتهكا لأخلاقية أساسية في المهنة : إحترام الأرشيف وعدم تحويره. فما نشر في أية وسيلة إعلام صار ملكا للذاكرة العامة وللتاريخ. ولو كانت النصوص المحذوفة أو المحورة نشرت في صحيفة مكتوبة لما تمكن صاحبنا من المساس بها. وللتذكير فإن القاعدة الأخلاقية العامة تقتضي إعتبار كل سلوك محرم في الصحافة المكتوبة محرما بنفس الدرجة في الصحافة الافتراضية.

ثالثا : قام صاحبنا بتغيير تواريخ نشر العديد من المقالات “لتطهير” الصفحة الأولى من كل المقالات والنصوص التي لا تنسجم مع “الخط التحريري الجديد”، بما فيها نصوص كتبها هو بنفسه!. كما استعمل الطريقة نفسها لإعادة نشر مقالات تطبيعية بائسة قديمة في الصفحة الافتتاحية. ولتوضيح الأمر للقراء، فإن ترتيب المقالات في المواقع التفاعلية يكون بشكل آلي حيث تنشر المقالات بترتيب تنازلي الأحدث فالأقل حداثة. ولا يمكن تقنيا التحكم في الترتيب الا بتغيير تاريخ النشر، ولكنها طريقة ممجوجة لأنها لاتحترم قواعد اللعبة وتستخف بذكاء القراء. والأكيد أن صاحبنا يسرف في إستعمال هذه الطريقة حيث تظل مقالاته في أول الصفحة أياما عديدة مع إشارة “جديد” رغم نشر مقالات بعدها!. ولعله لهذا السبب سحب تواريخ النشر من كل المقالات والحال أن هذه المعلومة مفيدة وضرورية في أي موقع يتجدد فيه المحتوى باستمرار.

رابعا: سارع السيد المدير بنشر استفتاء جديد بالتزامن مع “التحول المبارك” استبدل به الاستفتاء السابق حول حق العودة (الذي كانت نتيجته بالمناسبة انتصارا مدويا لخيار إفتكاك حق العودة عبر الصمود والضغط السياسي والاعلامي على السلطة في مقابل خيار الخلاص الفردي). الخلل لم يكن في إختيار الموضوع الجديد (كيف تقيم خطوة تأسيس قناة حنبعل الفردوس الفضائية ؟) فذلك حق لرئاسة التحرير لا جدال فيه ولا مجال لتقييمه. ولكن الخلل كان في وضع الخيارات الممكنة، حيث كانت تلك الخيارات لا تغطي اتجاهات رأي القراء من الموضوع، بل كانت موجهة تماما حيث تصب 4 منها في خانة تثمين المبادرة وشكر السلطة (نفس المعنى تماما بعبارات مختلفة) بينما تصب الخامسة في خانة التوجه العلماني اللائكي الذي لا يمثل إلا نسبة مجهرية من قراء الوسط وروادها. ولم ير واضع الاستفتاء ضرورة لاضافة خيار “لا أعرف” أو “ليس لي رأي” كعادة المنابر الاعلامية التي تحترم نفسها. أما عن نتيجة الاستفتاء الحالية (انتصار خيار “خطوة رائعة في الاتجاه الصحيح” ب60% ) فهي مثيرة للدهشة والاستغراب من ناحية لأنه لا فرق حقيقة بين هذا الخيار وخيارات الثناء الثلاثة الأخرى ومن ناحية ثانية للتناقض بين نتيجة هذا الاستفتاء والاستفتاء السابق والحال أن جمهور الوسط واحد، اللهم أن يكون أغلب هذا الجمهور قد اتبع السيد الكسيبي في خطوته التصحيحية!!

سأتوقف عند هذا الغيض من الفيض، ولكنني أعد الزميل بأنني سأحتفظ بكل الأدلة علني أسهم يوما، ان شاء الله تعالى، بورقة موثقة في “منتدى زهير اليحياوي لتاريخ الاعلام الالكتروني المناضل” حول “تساقط بعض المؤسسات الإعلامية الهادفة في آخر سنوات الدكتاتورية الوسط التونسية نموذجا”…

الخطاب الجديد وحكم التاريخ

لا رغبة عندي حقيقة في التعليق على مضمون “الخطاب الاصلاحي الجديد” لصاحب الوسط، لغياب المعنى وانتفاء الجدوى، في ظل إدراك الجميع بدون استثناء بما فيهم الجهات الأمنية والادارية الموجه إليها الكلام، أنه خطاب حاجة، أقرب الى الطلب الاداري (لالتماس العفو وتسوية الوضعية) منه إلى الفكر والتنظير.
ولكنني أقول للأخ مرسل بمنتهى الأسف أن التاريخ سجل عليه كل كلمة قالها، ولا مجال له الآن من أن يتنصل مما قال حتى وإن أدرك يوما أن “ملء الأرض ذهبا” لا يعدل شهادة زور أصدرها لدولة “مصححة للمسار ومعمقة لخيار التصالح مع الهوية” ولحزب حاكم تحدوه “ارادة سياسية للتطوير والاصلاح” ولرئيس دولة “قوي” عاكف على “مراجعات تجاه العديد من الملفات المستشكلة” ولأمين عام جديد للحزب الحاكم، محمد الغرياني، “لم يعرف عنه إلا الاعتدال والأصالة والمرونة والوطنية” (وهو الذي كان لسنوات طوال قائد فيلق من المخبرين المندسين داخل أسوار الجامعة!!) ولوزير جديد، سمير العبيدي، اعتبر تعيينه “مكسبا للعنصر الشبابي في تونس” (وهو الذي كان صديقنا يعتبره جزء من الحزب اليساري الانتهازي السري الذي استولى على التجمع)… الخ.

أتمنى لمؤسس “الوسط” صدقا الحصول على مبتغاه في العودة إلى البلاد ولكنني أقول له بكل أسف أنه بحث له عن مكان في الجغرافيا فأضاع مكانه في التاريخ كغيره ممن سلكوا “الطريق السيارة” طريق التطبيع والانبطاح .. ويا خيبة المسعى.

وأختم مقالي هذا بكلمات كتبها السيد الكسيبي ذات يوم لصاحب “المستقلة” عندما سلك “الطريق السيارة” ذاتها :

 "تأملت في الحرية وحقوق الانسان وكرامة المواطن التي يتم اخضاعها لمزاج “صاحب أحسن فضائية عربية” وطموحاته في الزعامة الزائفة والتقرب الى السلطان بالمدائح والأذكار عبر لفظ “المصالحة الوطنية” الذي أصبح خرقة زائفة لستر عورات نسأل الله تعالى ألا يهتكها …

أقوام اتاهم الله تعالى المال أو شيئا من طلاقة اللسان فسخروهما من أجل البحث عن تمكين زائف للباطل عبر الدفاع عنه وعن فاعليه باستعمال ألوان من الكلام المعسول والمراوغات التي لن تغني أصحابها “يوم لاينفع مال ولابنون الا من أتى الله بقلب سليم”…
قد يرون عملهم هذا حنكة سياسية وذكاء يزينه لهم الشيطان , ولكن خسر الطالب والمطلوب …
قل لي بربي وربك ياصاحب شاشة المستقلة , أو ليس كتابتك عن الوطن بطريقة مغشوشة أو استضافتك لاعلاميي الزور من الذين ملؤوا بطونهم بالمال الحرام من أبشع شهائد الزور التي ستلقى بها ربك يوم القيامة ؟…
أم أنه الطمع في متاع زائل وفي توزير لمحت اليه بطرق عدة على شاشتك الغراء وعلى حساب البيان والافصاح وأخلاق مهنة الاعلام التي أنصحك بالتمعن في مفاصلها قبل الخوض في موضوعات النجاح فيها على حساب عذابات الالاف من أصحاب الرأي في تونس …

أقولها لك اليوم مذكرا ومبرئا للذمة أمام خالق هذا الكون الذي أنعم عليك بنعم كثيرة لم تؤدها حقها تجاه اخوان يسامون الموت وسوء العذاب : اتق الله , اتق الله ,اتق الله …
" (2)

———-
1. في إشارة إلى مقال “في تونس : خطوات رائعة في الاتجاه الصحيح” الذي كان فاتحة “العهد الجديد” للوسط
2. من مقال : “تأملات في دولة المكالمات الهاتفية”
http://www.tunisalwasat.com/wesima_articles/articles-20070610-6217.html
3. تجدون ملحقا مقتطفات مختارة من مقالات مؤسس ” الوسط التونسية ” قبل أن يعلن عن تطبيعه مع السلطة في الرابع من رمضان المنصرم.
المصدر :نواة

الأربعاء، 11 يونيو 2008

ندوة حقوقية فكرية بعنوان المقاومة المدنية


اللجنة العربية لحقوق الإنسان
International NGO in special Consultative Status with the Economic and Social Council of the United Nations

  

يسر اللجنة العربية لحقوق الإنسان دعوتكم إلى ندوة حقوقية فكرية بعنوان
 المقاومة المدنية
مساء يوم الجمعة 13 جوان 2008 من الساعة 18  إلى الساعة 21
برنامج الندوة:
كلمة الترحيب وتقديم الإشكالية والجلسة من قبل رئيسة اللجنة الدكتورة فيوليت داغر
الجلسة الأولى من الساعة السادسة إلى السابعة والربع
المفاهيم والإشكاليات النظرية والعملية
رئاسة السيد عماد الدايمي
منصف المرزوقي : 15 دقيقة
المقاومة  المدنية : لماذا لم يعد لنا خيار غيره ؟
هيثم مناع   15 دقيقة
المقاومة المدنية وحقوق الإنسان
فيصل جلول  15 دقيقة
جدلية المقاومة المدنية والمقاومة المسلحة
محمد حافظ يعقوب 15 دقيقة
المقاومة المدنية في فلسطين

 سليم بن حميدان
الشباب العربي أمام  مختلف الخيارات 15 دقيقة
استراحة 15 دقيقة
الجلسة الثانية من الساعة السابعة والنصف إلى الساعة التاسعة 
نقاش عام
تديره الدكتورة فيوليت داغر مع الحضور
حول الإشكالية التالية التي يرجى من المشاركين التقيد بها 
الشعوب العربية مواجهة  تجاه الأزمات التي  تتخبط فيها  بخيارات صعبة أهمها  الاستقالة، ألهجرة،  العمل السياسي من داخل مؤسسات الاستبداد، المقاومة المسلحة، أو المقاومة المدنية، برأيكم ما حظوظ  المقاومة المدنية لتكون الخيار الغالب وكيف يمكننا جميعا الدفع باتجاهها وتعزيزها؟ 
تلخيص الأفكار وكلمة الختام
Vendredi 13/06/2008  du 18h00 à 21h00
La grande salle de la Maison de la vie associative à Malakoff
26,rue Victor Hugo- 92240 Malakoff
Métro Malakoff- Plateau de Vanves sortie à gauche direction Malakoff

الاثنين، 2 يونيو 2008

العقل الأمني للسلطة وسياسات المرحلة


ماذا لو سحبنا ورقة العودة من ابتزاز العقل الأمني؟

بقلم عماد الدائمي
عليك بالصمت حتى 2009، إثر ذلك يمكنك الكلام إن شئت” كلام قاله أحد مسؤولي “أمن الدولة” بلغة تهديد ووعيد للكاتب الحر توفيق بن بريك منذ أيام. ويعكس هذا الكلام تماما رغبة السلطة في إخراس كل صوت يمكن أن يزعجها أو يفسد عليها إعدادها لانتخابات 2009.
في هذا الاطار نفهم الحملة الشرسة التي أطلقها النظام في الفترة الأخيرة على من يعتبرهم رؤوس الفتنة في البلاد وأصحاب الألسن الطويلة (أم زياد، عبد الرؤوف العيادي، عبد الوهاب معطر، عبد الكريم الهاروني، عبدالله الزواري، مسعود الرمضاني، سليم بوخذير، سهام بن سدرين، عمر المستيري، توفيق بن بريك …). حملة شملت كل أنواع الردع والترهيب والانتقام من حجز الأموال وتسليط سيف الضرائب الجائرة، إلى تلفيق الأشرطة الفاضحة والاعتداء على الأعراض الشريفة، إلى تضييق الخناق والحصار الدائم، إلى الاستفزاز والتهديد، وصولا الى التعنيف الشديد.
وفي هذا الاطار أيضا نفهم الرد الأمني المفرط على التحركات الاجتماعية التي شهدتها مناطق الجنوب الغربي التونسي، والقمع الشديد الذي يتعرض له شباب المنطقة المنخرط في تلك الاحتجاجات في هذه الايام لوأد تلك التحركات واخمادها ومنع انتقال العدوى الى المناطق المجاورة.
ويبدو أن تزامن كل هذه الخطوات القمعية والضربات الاستباقية هو مؤشر على وجود خطة حددها العقل الأمني للسلطة شعارها إخماد صوت أي شخص تحدثه نفسه التشويش على “الاستحقاق الرئاسي” للسنة المقبلة.
العقل الأمني ومصادرة السياسي
يبدو جليا بما لا يدع مجالا للشك أن العقل الأمني الذي وضع هذه الخطة هو نفسه الذي يمسك بزمام المبادرة السياسية في البلاد ويطوع المؤسسات التشريعية والتنفيذية والحزبية لغرض تحقيق هدفه المركزي للمرحلة : تجديد شرعية السلطة في انتخابات السنة القادمة دون احداث أي درجة من درجات الانفتاح ودون قلاقل داخلية وفضائح خارجية. وهكذا كان التحوير الدستوري الأخير الذي أعلنه هرم السلطة بنفسه يهدف بدون لف ولا مواربة لاقصاء كل من يمكن أن تسول له نفسه أن يفسد الخطة وأن لا يحترم قواعد اللعبة المرسومة مسبقا أو أن يتجاوز الخطوط الحمراء ذات السقف المتدني.
ولا شك في أن الكثيرين من الوطنيين في الدوائر المعنية بالقرار السياسي غير موافقين على هذا المسار ولكنهم مغلوبون على أمرهم ولا حيلة لهم أمام سطوة العقل الأمني وسلطته.
العقل الأمني والتعامل مع قضية المهجرين
الفصل الثالث من الخطة الأمنية المفترضة للمرحلة القادمة، بعد فصلي قمع المعارضة الراديكالية داخل البلاد (معارضة المقاطعة) والتضييق على معارضة المشاركة، يعنى بالتعامل مع ملف المهجرين الذي أصبح حاضرا بكثافة في الساحتين الداخلية والخارجية والذي يهدد بالتحول الى مصدر ازعاج شديد وتشويش خطير قبل وأثناء وبعد الانتخابات القادمة.
في هذا الملف، كمثله من الملفات، افتكت الأجهزة الأمنية القرار من مصدره الطبيعي (الخارجية والقضاء) وهي تسعى الى حلحلته أو بالأحرى تصفيته بتخبط شديد وعقلية أمنية صرفة هدفها الأوحد كسر وحدة المهجرين وضرب البعد السياسي للقضية بتحويلها من ملف عام شامل سياسي بامتياز الى ملفات شخصية منفصلة تدرسها بانتقائية شديدة وتبت فيها من خلال معايير تبدو ذكية أحيانا، عندما يتعلق الأمر بتحييد مناضلين أوتشتيت مجموعات متماسكة. غير أنها تبدو في غاية من الغباء والتخلف عندما ترفض ملفا “يخدم مصالحها” أو عندما تتعنت في ملف انساني صارخ فاضحة نواياها غير الصادقة..
ورغم تخبط السياسات الأمنية تجاه “ملف العودة” وضبابية الموقف العام، يمكننا من خلال مؤشرات عديدة توقع معالم الخطة الأمنية المرحلية حول هذا الملف. حيث لن يبتعد كثيرا عن السيناريو التالي:
ـ مواصلة التعامل بشكل انتقائي بطئ مع الملفات لابقاء الوضع تحت السيطرة، وربحا للوقت حتى اقتراب الانتخابات حيث قد يقوم الرئيس ـ المترشح لخلافة نفسه ب”مبادرة كريمة” للسماح بعودة العشرات من اللاجئين لتلطيف الأجواء ولكسب بعض الشرعية، كما كانت العادة سابقا في التعامل مع المساجين السياسيين.
ـ عزل عدد من الناشطين من “مثيري الفتنة” عبر سياسة مزيج من الترغيب والترهيب وتشويه السمعة وصولا الى التأديب بأشكال انتقامية خفية وغادرة. ولعل ما راج من شائعات في الأيام الأخيرة من وجود مخطط لقمع بعض الوجوه المهجرية يدخل في باب الحرب النفسية من أجل اسكات الأصوات المزعجة.
غير أن الموقف الأمني من مسألة العودة سيظل مرتبطا ومحكوما في تطوره بموقف المهجرين أنفسهم : ان هم قبلوا بشروط اللعبة المفروضة وواصلوا انتهاج سياسة الخلاص الفردي وسكتوا عن المماطلات والوعود الكاذبة فستظل السياسة الأمنية على حالها ولربما تعنتت أكثر. وان هم التفوا حول مشروع جماعي لفرض حق الجميع في عودة كريمة ومسؤولة ورفضوا الاذعان للشروط المجحفة وأبوا دفع ثمن، مهما قل، لعودتهم فلن يجد النظام بدا عن التنازل.
الحلقة الأضعف
وهكذا يبدو لنا من خلال ما سبق أن “ملف المهجرين” مؤهل ليكون الحلقة الأضعف في السياسة الأمنية التي يراد لها ادارة المرحلة حتى موعد الانتخابات القادمة. حيث أن فاعلي هذا الملف هم الأكثر تحررا والأيسر مبادرة والأشد قدرة على الكر والايلام نتيجة لوجودهم حيث مصدر شرعية النظام وحيث مورد رزقه (السياحة والاستثمارات) ونتيجة لعدالة قضيتهم التي ستجلب لصفهم الكثير من القوى المؤثرة. كما أن العقل الأمني سيجد نفسه محاصرا بين أمرين أحلاهما مر : مواصلة التعنت وما سيؤدي اليه ذلك من مزيد احتقان للأوضاع وفضائح ستفسد عليهم حفلتهم، أو فتح الأبواب وما يعنيه ذلك من خروج للأمور عن السيطرة ومن انتقال “المعركة” الى داخل البلاد.
أحد الأصدقاء توقع أن يتوجه العقل الأمني الى خيار ثالث جوهره التسريع بحل الوضعيات العالقة والملفات المفتوحة في عملية استباقية للحملة التي هي بصدد الاعداد كسرا للديناميكية الوليدة ومواصلة التعاطي الشخصي الانتقائي مع الملفات القادمة. ورغم أنني أشكك في امتلاك الأجهزة لهامش المناورة هذا، فانني أعتقد أن الأمر ان تم فانه سيكون النصر الأول لحملة لم تنطلق بعد، حيث أن العودة الكريمة لأي مهجر الى بلاده هي انتصار لكل المهجرين
يبقى الخيار الأفضل للبلاد والعباد أن تتوفر ارادة صادقة لانهاء المظالم وفتح البلاد لكل أبنائها والسعي الى تحقيق المصالحة الوطنية المنشودة. وهذا يتطلب أمرا مركزيا : أن يتأخر العقل الأمني خطوة ويترك مكانه لعقل وطني سياسي ولعل الدولة والادارة وحتى الحزب تعج بوطنيين مخلصين يحملون هذا العقل

الأحد، 18 مايو 2008

أيها المُهَجَّرون التونسيون اتحدوا

بقلم عماد الدائمي وسليم بن حميدان

يعيش مئات المهجرين التونسيين في المنافي منذ ما يناهز السبعة عشر عاما للكثير منهم وما يفوق ربع قرن كامل لآخرين.
محنة طويلة وقاسية اضطرتهم لها محاكمات سياسية صورية وملاحقات أمنية ومضايقات طالت الأهل والأصدقاء في خرق فاضح لدستور البلاد (الفصل 11) وللمواثيق الدولية التي تجرم تغريب الدولة لمواطنيها أو منعهم من العودة إليه.
لن نتحدث في هذا النداء عن كارثة الاستبداد التي ابتليت بها بلادنا ولا عن المظالم التي سلطها على عموم أفراد الشعب، تكميما للأفواه وانتهاكا للأعراض وتضييقا للأرزاق ومصادرة للأملاك، فذلك أمر مفروغ منه لا يجادل فيه وطني صادق، ثم إن المجال لا يتسع إليه هنا.
ما أردنا التنبيه إليه هو مسؤولية المهجرين أنفسهم عن طول محنتهم وعجزهم عن تحويلها قضية حقوقية وسياسية وطنية تزيد في فضح ممارسات النظام وادعاءاته الكاذبة في مجال الحريات واحترام حقوق الإنسان.
سياسة مقصودة أم قعود آثم، احتمالان اثنان لا ثالث لهما.
بعض المهجرين يعتبر قضية التهجير ثانوية مقارنة بقضية المساجين وأنه ينبغي التركيز إعلاميا على هذه الأخيرة وعدم التشويش عليها بملفات أخرى.
كلمة حق أريد بها تبرير عجز. صحيح أن قضية المساجين السياسيين ذات أهمية قصوى وهي تستوجب تضافر الجهود السياسية والإعلامية من أجل التعريف بها في جميع المحافل المحلية والدولية.
ولكن الصحيح أيضا هو التفاف المعارضة التونسية بجميع أطيافها حول مطلب تسريحهم. بل إن تخصص بعض الجمعيات، مثل الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين وجمعية حرية وإنصاف والمجلس الوطني للحريات وجمعية العمل والحقيقة وجمعية التضامن التونسي بباريس وجمعية مناهضة التعذيب وجمعية صوت حر وغيرها من الجمعيات والهيئات، كاف في نظرنا للدفاع عنهم والتعريف بقضيتهم.
في المقابل، ظلت قضية المهجرين نسيا منسيا رغم الارتباط التاريخي والسياسي بين القضيتين. فكلاهما من كوارث الاستبداد وجهان لعملة واحدة: سجن هنا وتهجير هناك.
إن إغفال قضية المهجرين أو تأجيلها في ساحة الحراك الحقوقي والسياسي لن يخدم قضية المساجين بقدر ما يخدم الاستبداد.
فهو يحرم المعارضة الوطنية من ملف حقوقي وسياسي محرج للاستبداد ومن جبهة ضغط قوية باعتبار مساحات الحرية التي تتوفر لها على الصعيد الإعلامي.
كما أن الصمت عليها يوفر للاستبداد فرصة ثمينة للاختراق وتفتيت جبهة الصمود عبر ابتزاز بعض المناضلين وتحييد آخرين مقابل عودة آمنة أو جوازات غير صالحة للاستعمال بمفعول الغدر المتوقع.
إن صمت المهجرين عن حقهم في العودة الكريمة والمسؤولة يدعم الفرضية القائلة باستحسانهم حياة الرغد والرفاهية التي توفرها الدول الأوروبية وتحولهم من أصحاب قضية إلى كائنات استهلاكية.
ثم إن صمتهم سيطيل في آماد محنتهم لأن صاحب الحق أولى بالدفاع عن حقه. وإن كان للسجين عذر في سجنه فليس للمهجر عذر في صمته.
ليس أمام المهجرين إذن إلا خيار واحد : الاتحاد والنضال من أجل افتكاك حقهم في العودة الآمنة والتنقل الحر.
أما استمرار الصمت فلن يؤدي إلا إلى سقوط الحق بالتقادم أو الانتقال به، في أفضل الأحوال، إلى السجل الذهبي للذاكرة الوطنية.

الأربعاء، 2 أبريل 2008

مراجعات سياسية وإرادة وطنية


عماد الدائمي وسليم بن حميدان

لقد كان انبعاث المؤتمر من أجل الجمهورية سنة 2001 تلبية لحاجة حقيقية وملحة في الساحة التونسية، حيث ولد في ظل  انسداد سياسي تام واختلال في موازين القوى بين سلطة تعتبر نفسها اللاعب الوحيد في الميدان ومعارضة مشتتة ومجزأة  تفرقها الايديولوجيا والزعامة وترتيب الأولويات.

ولد المؤتمر في ظل ذلك الوضع وولد معه أمل في تجميع الفرقاء وتكتيل الجهود لمحاربة الدكتاتورية وبناء البديل الديموقراطي المنشود. عاملان رئيسيان ساهما في بناء هذا الأمل أولهما فلسفة التأسيس: كإطار نضالي مفتوح متحرر من القيود الإيديولوجية و الولاءات الشخصية، متخفف من القيود التنظيمية والهيكلة الكلاسيكية. وثانيهما هوية المؤسسين: كثلة من المناضلين المشهود لهم بالمصداقية والنزاهة والمبدئية والجرأة في الحق، وكعينة ممثلة لأغلب قطاعات المجتمع وتياراته رجالا ونساء، شبابا وكهولا، مقيمين في البلاد ومهجّرين، من مشارب إيديولوجية وفكرية متعددة : عروبيين واسلاميين ويساريين ...

هكذا ولد الأمل، وأصبح المؤتمر في وقت وجيز محط أنظار المراقبين في الداخل والخارج، وفرض نفسه كمحرك لعربة المعارضة وكناطق باسم قوى الشعب الغاضبة. حيث لامس خطابه الحاد والحاسم تجاه السلطة، إلى حد التشنج أحيانا، مشاعر وضمائر الشعب المقهور، وجرأ الكثيرين من أفراد وجماعات على سلطة أضحت في وضع المدافع لا المهاجم.  كما دفع هذا الخطاب بقية الأطراف الوطنية المعارضة لرفع سقف الخطاب والمطالب وللاقتراب من المؤتمر، اقتناعا أو اضطرارا، والالتقاء معه على مواقف كانت في السابق من المحرمات حتى لا تنعزل وتوصم بالتخاذل.

بعض هذه الأطراف سرها أن يكون المؤتمر على يسارها كي تثبت للنظام كما للخارج أنها غير متطرفة، وأخرى جارته لكي لا تتركه يستأثر بالريادة، وأخرى قبلت به شريكا إلى حين.

ظل هذا الأمل يتصاعد أحيانا ويخفت أخرى حسب نسق المد النضالي والتحركات الإعلامية والميدانية التي كانت غالبا موسمية أو مناسبتية. وبلغ مداه قبيل ندوة أكس ـ مرسيليا للمعارضة التونسية، حيث كانت هذه الأخيرة متكتلة على وشك أن تضع حجر الأساس لمشروع وطني مشترك لـ"تونس المستقبل" قبل أن تنتكس وتتراجع نتيجة لشكوك البعض ومخاوف البعض الآخر من ردة فعل السلطة ورواسب الخلافات الإيديولوجية الضيقة والشخصية المقيتة.

أعقبت تلك الخيبة سياسة انكفائية متوترة قامت على التقوقع على الذات وتأكيد التمايز مع أغلب الشركاء السابقين ونفض اليد منهم باعتبار التعويل عليهم مضيعة للوقت وهدرا للجهود.
وكان من الطبيعي أن تؤثر هذه الانتكاسة والمشاكل التي تزامنت معها في المناخ العام داخل الحزب وأن تدفع بالبعض للانسحاب وبالبعض الآخر للاستثمار في أطر أخرى حقوقية ومهنية وإعلامية. وكاد الحزب أن ينحل لولا مسؤولية أعضائه، كلهم بدون استثناء، ولولا حدوث أمرين أولهما إقدام السلطة على اعتقال المحامي محمد عبو عضو المؤتمر الذي دفع الجميع للانخراط في معركة تحريره والثاني هو قيام ما سمي بـ"حركة 18 أكتوبر" وما رافقها من تحركات ميدانية واتصالات سياسية انخرط فيها بعض الأعضاء وشغلتهم عن مشاكل الحزب الداخلية.

وقد شكلت محطة 18 أكتوبر منعرجا حاسما في مسيرة الحزب وانقسم الجمع الى فريقين: فريق يائس محبط من استمرار الخطاب الاحتجاجي لدى المعارضة وعدم قدرتها على إعداد البديل، وفريق "متشائل" يعتبر الالتقاء على الحد الأدنى أهون الشرور وأفضل حالا من التشتت والانقسام.

ولا شك في أن انحراف حركة 18 أكتوبر عن زخم التأسيس ووعوده، ودخولها في متاهات الجدل الإيديولوجي العقيم وصراعات الزعامة الموهومة، عوض مواصلة العمل النضالي الميداني، إضافة إلى المناورات السياسوية المفضوحة لإقصاء رئيس المؤتمر عن الحلقة الضيقة للتحرك.. لا شك أن كل هذه العوامل دفعت بالحزب إلى وأد أمل "العمل المشترك" وإلى تبني خطاب ثوري "حالم" يتوجه مباشرة إلى التونسيين محملا إياهم مسؤولية التغيير وداعيا إلى العصيان المدني والنزول إلى الشوارع للإطاحة بالدكتاتورية وإقامة النظام الجمهوري الحقيقي على أنقاض الجمهورية المزيفة.

وقد ساهم هذا الخطاب في تعميق هوة الخلاف بين الحزب وشركائه السابقين إلى حد القطيعة. كما أدى إلى تعميق الهوة بين جناحين في الحزب أحدهما ملتف حول الرئيس يدعو إلى الثبات والصمود والعمل "من أجل التاريخ "، والثاني يدعو الى الواقعية والبراغماتية والفعالية الآنية.

فكان أن انفرط الشمل بهدوء ومسؤولية دون أن ينشر الغسيل أوتصفى الحسابات، كدليل آخر على مسؤولية كل المؤسسين ونضجهم ورصانتهم.

ودخل الجميع في رحلة مراجعات للتجربة والخط والخطاب قادت البعض إلى الانسحاب المعلن والبعض الآخر إلى أخذ مسافة عن النشاط الحزبي والسياسي والانغماس في العمل الحقوقي أو الفكري، والبعض الآخر إلى الرجوع إلى نقطة البدء والسعي إلى إعادة إحياء الحزب على الأسس التي بني عليها باعتبار حاجة الساحة الماسة إليه وعجز الأطراف الأخرى مجتمعة على ملأ الفراغ الذي تركه. وتقودنا هذه المراجعات اليوم، من منطلق المسؤولية، إلى وضع أيدينا في أيدي رئيس الحزب والإخوة المتمسكين معنا بهذا الإطار من أجل إعادة بنائه على أسس جديدة تقطع مع سلبيات الماضي وتعيدنا إلى عمقنا الوطني ومحيطنا الطبيعي وترشد خطابنا وممارستنا دون تنازل عن الثوابت أو مساومة عن الحقوق.

 ماذا يجب أن يتغير:

 سؤالان مركزيان كان علينا الإجابة عليهما قبل أن نحدد ما يجب أن يتغير في خط المؤتمر وخطابه وممارسته السياسية. الأول: ما الذي تغير أصلا منذ لحظة التأسيس قبل 7 سنوات حتى يكون التغيير حتميا ؟ ثم ما المطلوب توفره من شروط لتحقيق الآمال العظام في التخلص من الاستبداد وبناء الدولة الديمقراطية التي اجتمعنا حولها والتي لا زلنا عاجزين عن الاقتراب حتى من شروطها الدنيا ؟

بخصوص السؤال الأول، يبدو التشخيص للوهلة الأولى متشابها مع الوضع الذي قررنا فيه مع شركائنا تأسيس الحزب، لا يختلف عنه إلا في حدة الأزمات التي كانت البلاد تعيشها ولا تزال (ازديادا)، وفي مدى ضغط القوى الداخلية والخارجية (تقلصا) على نظام ازداد انغلاقا وتمسكا بالسلطة، كما ازداد خبرة وقدرة على المناورة وشق الصفوف.

عاملان جديدان إنضافا للمعادلة خلال السنتين الأخيرتين ليزيدا من أمل النظام الحاكم في الحياة والتواصل دون حاجة لإحداث إصلاحات حقيقية أو تغييرات جوهرية هما:
  ـ انفضاض شمل المعارضة وانهيار محاولات العمل الوطني المشترك في الواقع (وفي العقول وهذا أخطر) وما رافق ذلك وما نتج عنه من ضرب لكثير من مكاسب النضال الوطني في العشرية التي خلت على جميع المستويات السياسية والإعلامية والجمعوية، وعلى مستوى التواصل مع الرأي العام والتأثير فيه، في تقهقر واضح وفي عودة مخجلة إلى الوراء معاكسة للتيار العام في المنطقة والعالم.
ـ خروج مارد الإرهاب من قمقمه، بشكل عفوي أو مفتعل، وما أدى إليه من إعطاء الحجة للسلطة للإمعان في الانغلاق وتضييق الحريات ومن إضفائها شرعية دولية جديدة غطت أو تكاد سجلها الحالك في انتهاك حقوق الإنسان .ولعل من أبرز ضحايا فكر العمل المسلح الوليد منهج "معارضة التمنع" أو ما اصطلح عليه بالمعارضة الراديكالية وعلى رأسها المؤتمر حيث أصبحت دعوات المقاومة السلمية التي كانت في السابق أسمى تعبيرات الشجاعة والإقدام "لعب عيال"  أمام "نداء الجهاد" و"صوت البندقية" وصار هذا الخط محاصرا بين معسكرين كل يلفظه ويرميه للمعسكر الثاني: معسكر المواجهة (التنطع) ومعسكر المشاركة (التخاذل).

أما في خصوص السؤال الثاني، فالجواب لا يقل بداهة ولا يختلف نظريا حوله معارضان وطنيان. ولن نزايد على إجماع الفاعلين في الساحة ـ إلا من استثنى نفسه من المهووسين بالخلاف الإيديولوجي ـ بضرورة نبذ الخلافات والتقاء المعارضة بمختلف أطيافها حول مشروع وطني مشترك، كعشرات التجارب الناجحة حول العالم، يضمن لها في أقصى الحالات تحقيق التغيير المنشود وفي أدناها افتكاك بعض الحقوق ودفع السلطة للتراجع ولإحداث نوع من الإصلاح الذاتي لضمان  تجددها وتواصلها.

يظل هذا الشرط هو مربط الفرس لأي تغيير منشود. وهو يفترض تأسيس إطار جامع للتفكير والتقرير والتنزيل، وتقديما لمصلحة البلاد العليا على المصالح الفئوية والشخصية الضيقة، ومزاوجة في الممارسة المشتركة بين صلابة المواقف المبدئية ومرونة التفاوض من أجل تحقيق الأهداف، الأهم فالمهم.

 يتطلب كل هذا خطوات أولها "وقف إطلاق النار" بين قادة المعارضة أي إيقاف حملات التشويه والتخوين المتبادلة المعلنة أحيانا و المبطنة أحيانا أخرى. ثم القيام بخطوات لإعادة بناء الثقة التي اهتزت. وإن صعب الأمر على زعامات الأحزاب أن تقوم عمليا بهذه الخطوات، بل قد يستحيل الأمر نظرا لمخزون الخلافات بل قل الأحقاد الراكدة بينها، فلتترك أمر بناء الثقة وإحياء العلاقة إلى القيادات الشابة الخالي ذهنها من هذه الاعتبارات. عندئذ يصبح الالتقاء ممكنا والعمل من أجل تحقيق الأحلام المشتركة واقعا.

الآن وقد أجبنا على السؤالين، يمكننا القول، انطلاقا من تقديرنا لدقة المرحلة ووعينا بشروط الخروج منها، أن إحياء المؤتمر من أجل الجمهورية وإعادته إلى ساحة الفعل والفعالية يتطلب إحداث تغييرات حقيقية عناوينها الكبرى :
ـ إعادة بناء المؤسسات الداخلية للحزب ووضع آلية قانونية لفض النزاعات إن وقعت وتنقية الأجواء الداخلية عبر استبعاد الحساسيات الإيديولوجية والشخصية المفرقة.
ـ تطوير خطاب المؤتمر من خطاب "ثوري" حاد يعبر عن الحقيقة "الطهورية" ويغازل الوجدان الشعبي المائل بطبعه دوما للتصعيد و"التجنيح"، إلى خطاب متزن يعرف حدوده ويحترم إمكانياته، يحافظ على ثوابته دون توتر أو تشنج، يناصر الأصدقاء ويلاطفهم دون تملق، ويتصدى للغرماء بحزم وصرامة دونما تهديد ووعيد.
إن مثل هذا الخطاب أقدر، بنظرنا، على طمأنة شركاء الماضي والمستقبل وعلى فتح قنوات اتصال مع القوى الداخلية والخارجية المؤثرة في وضع البلاد وعلى تفعيل طاقات كثيرة تتعاطف مع المؤتمر لجرأته ولكن تخشى الاقتراب منه لـنزوعه الصدامي وحديته.
 ـ السعي لإعادة بناء جسور الثقة مع إخواننا في المعارضة الوطنية الديمقراطية والإسلامية وخفض الجناح لها وتجاوز الخلافات ومن ثمة المساهمة في إعادة طرح مبادرات ومشاريع للعمل الوطني تبني على المشترك وتحترم الخصوصيات والتقديرات المختلفة.
ـ بناء إستراتيجية جديدة للاتصال توصل أفكارنا وتصوراتنا الى فئات من المجتمع كنا نلحقها تعسفا بالسلطة من مثل الإدارة التي لولا وجود وطنيين مخلصين فيها لسقطت الدولة منذ زمان تحت وطأة الفساد والانفراد بالقرار ومن مثل النقابة التي تشهد انبعاثا جديدا خصوصا في صفوف القيادات الوسطى القطاعية والجهوية ومن مثل الإعلام الذي بدأ ينفض عنه تدريجيا غبار التبعية والرقابة الذاتية الخانقة، إضافة الى فئات أخرى أهملناها سابقا من مثل الطلبة من مختلف الأطر والتيارات والمهاجرين المتشبعين بقيم الديموقراطية والتداول في بلدان إقامتهم والحريصين على تقدم وازدهار بلدهم الأول : تونس.
 ـ إدخال جرعات من المرونة في سلوكنا السياسي تمكننا من تقديم أهداف صغرى على الأهداف الكبرى كلما اقتضى الأمر ومن التحاور مع السلطة إن فتح الباب ومقايضة الاعتراف الواقعي بها بإجراءات إصلاحية حقيقية تصب في خانة الوئام الوطني المطلوب. مع التأكيد على أن تكون هذه المرونة مقيدة بضوابط مبدئية صارمة تمنع المساومة على الثوابت وترفض سياسة اليد المرتعشة الممدودة دونما مقابل، وتقف بعين المرصاد لمحاولات شراء الذمم وتمييع القضايا.

هذا ونختم مراجعاتنا بالتأكيد على :

 ـ اعتزازنا بالانتماء إلى حزب المؤتمر من أجل الجمهورية وتمسكنا به كقلعة من قلاع النضال من أجل مستقبل أفضل لبلادنا ووفاءنا لمناضليه خصوصا لصديقنا سليم بوخذير سجين الرأي المنكل به حاليا في سجون النظام واعترافنا بالفضل لكل من رافقنا مسافة من الطريق الصعب ثم مضى، مستودعين إياه وطنا لن تضيع ودائعه.
  ـ صداقتنا وتقديرنا لكل الشخصيات المناضلة من أجل الديمقراطية في بلادنا من مختلف التيارات والانتماءات ودعمنا لكل الأحزاب والجمعيات العاملة من أجل تحقيق ذلك الهدف واعتبارها مكاسب وطنية وممتلكات عامة ينبغي الذود عنها ونصرتها في الحق حتى يستوي بنياننا على أركانه قويا معافى.
ـ حرصنا الكبير، نحن اللاجئين اضطرارا والمُهَجَّرَيْن ظلما وعدوانا، على حقنا في العودة إلى وطننا دونما قيود أو شروط، ورفضنا المطلق لأي ابتزاز أو دفع ثمن لها، ودعوتنا كل الوطنيين الصادقين أن يدعمونا ويدعموا حق كل المغتربين في العودة الكريمة إلى بلادهم بالتوازي مع دعمهم حق مساجين الرأي في الحرية والمسرحين منهم بالعيش في كرامة، وأن يلتف الجميع حول مطلب العفو التشريعي العام كمدخل لإنهاء المظالم ولبدء تحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية بديلا عن المصالحات الوهمية أو المغشوشة.

http://www.tunisnews.net/02april08a.htm