الجمعة، 9 يونيو 2006

إقالة القنزوعي: زوبعة في فنجان أم نذير بركان

عماد الدائمي وسليم بن حميدان(*)

في النظام الدكتاتوري تكتسي أخبار الإقالة أو الإعفاء من المناصب العليا في جهاز الدولة أهمية خاصة إذ عادة ما تتميز هذه الأخبار بعنصرين هما : الفجائية والغموض.

خبر إقالة مدير الأمن الوطني "محمد علي القنزوعي" مثال يؤكد علميّا الطبيعة الدكتاتورية للنظام الرئاسوي الحاكم في تونس (والخطاب موجه للنخبة الحقوقية والدستورية الصامتة).

عنصرا الفجائية والغموض يفتحان الأبواب أمام توارد الخواطر والتأويلات حول خلفيات الحدث ودلالاته وانعكاساته على المستقبل السياسي لتركيبة النظام وللبلاد بشكل عام.

قراءتنا لهذا الحدث لا تدعي الموضوعية بل هي من جنس نضالنا الميداني، فكرا وشعورا، للإطاحة بالدكتاتورية وبناء دولة القانون والديمقراطية والحريات على أنقاضها إن شاء الله.

بدءا، نود الإشارة إلى ضرورة الانطلاق منهجيا من الحالة العامة التي يتربع فيها النظام الحاكم فاعلا رئيسيا وسيدا قاهرا.

تتميز الحالة العامة خلال الأشهر الأخيرة التي أعقبت قمة الاحتقان، المصطلح عليها بقمة المعلومات، بمظاهر ثلاثة يمكننا وصفها بالصحوات الجديدة:

الصحوة الأولى ذات عنوان سياسي وتتمثل في ارتقاء الأداء النضالي والحزبي إلى مستويات عليا من التنسيق الذي تجاوز العناوين الحقوقية التقليدية ليرتفع إلى المطلبية السياسية العصية. لقد كانت مبادرة 18 أكتوبر تتويجا لزخم نضالي تصاعدت وتيرته منذ استفتاء البيعة في أفريل 2004 وتأسيس ما يمكننا تسميته بالجمهورية الانقلابية الثالثة.

ورغم لومنا لنسق حركة 18 أكتوبر وعدم طرحها الجريء لمسألة رحيل الدكتاتورية واكتفائها بالمطلبية "الإصلاحية" فإننا نرى فيها إطارا ممكنا لصياغة عقد وطني جديد يقوم على المسؤولية والإجماع.

أما الصحوة الثانية فذات طبيعة اجتماعية حيث يتنامى الاحتجاج العمالي والطلابي على أرضية ملتهبة من التمايز الطبقي الصارخ والبطالة المتفشية والفساد والجريمة المنظمة. ورغم محاولات النظام المتكررة اختراق المنظمات العمالية والطلابية وكسر التضامنات الداخلية بين قياداتها القطاعية والجهوية فإنها لا زالت تشكل الروافد الرئيسية لتنظيم الرفض وتحويله عصيانا وتمردا بما ينذر بـ"خريف تونسي" أحمر.

الصحوة الثالثة ذات مضمون ديني وتتجلى في عودة مظاهر الالتزام القيمي والشعائري التي عمت كل الأوساط الشعبية بمختلف مستوياتها العمرية والمهنية. ورغم الاختلاف السوسيولوجي في تحليل طبيعة الظاهرة من حيث مدى بعدها أو قربها من الإسلام السياسي، شكلا ومضمونا، فإنها تبقى خزانا استراتيجيا مفتوحة للاستثمار الميداني في مواجهة التطرف العلماني للسلطة.

لقد أعطت حادثة تدنيس المصحف الشريف وتفاعلات قضية الحجاب مؤشرات قوية على عمق الظاهرة كما وجهت رسالة واضحة ومضمونة الوصول إلى أعلى هرم السلطة مفادها أن انتهاك المقدسات يفضي إلى اشتعال الغضب ويحرك في الجماهير نخوة المعتصم.

إن توقيت ارتكاب الجريمة ربما يفتح الباب واسعا أمام حركة غضب شعبي عارم يسنده دعم عربي وإسلامي كامل، في لحظة دولية تجعل من صاحب الفعلة الشنعاء إما صليبيا حاقدا أو صهيونيا متطرفا وما الصور الدانمركية وأحداث المعتقلات الأمريكية في العراق وغوانتنامو ببعيدة.

وقوف النظام التونسي على هذه الحقيقة تجعله يدرك بحكم غريزة البقاء، لا بالفطنة والذكاء، أنه يقع على أعتاب انفجار سياسي واجتماعي لا يبقي ولا يذر، لذلك سارع إلى سياسة كبش الفداء امتصاصا للغضب وتحويلا للأنظار بما قد يفهم أنه اعتذار مبطن يحفظ للطاغية ماء الوجه.

الرسالة الأخرى التي يريد رأس الشر في بلادنا توجيهها إلى الرأي العام هو أنه لا يزال سيدا على عرشه يعين من يشاء ويعزل من يشاء وهو القوي الشديد. رسالة تزداد أهميتها في ظل احتدام معركة الخلافة مع تأكد المرض وقرب النهاية وما يثيرانه من شهية لدى غربان القصر للظفر بكرسي الجثة قريبا.

أما الدرس المهم الذي نستخلصه من "زوبعة الفنجان" فهو هشاشة الدكتاتورية رغم مظاهر القوة والجبروت التي تدجّج بها واجهتها ترويعا للشعب ودفعا له عن الشأن العام ومعركة تقرير المصير. فقد أثبت النظام مرة أخرى أنه يرتجف من غضبة الشعب قبل أن تزمجر في الشوارع ويرتعد من وخز المعارضة قبل أن تجتمع على مطلب الرحيل.

وفي قراءتنا المتواضعة لمآلات الأوضاع فإننا نعتبر صهر الصحوات الثلاث، السياسية والاجتماعية والدينية، شرطا للتخلص من الدكتاتورية في بلادنا، وهو رهين أداء سياسي واضح ومصمم لا لبس فيه ولا تردد.
لقد بدأت كل الصحوات تتجذر فهل إلى صحوة وطنية من سبيل ؟
 
(*) عضوان مؤسسان بحزب المؤتمر من أجل الجمهورية  http://www.tunisnews.net/9juin06a.htm