الثلاثاء، 21 ديسمبر 2010

تحية وفاء واعتبار للشهيد قيس بلقاسم في ذكرى وفاته الثالثة

تمر اليوم، 21 ديسمبر 2010، الذكرى الثالثة لوفاة صديقي وأخي "قيس بلقاسم"، الرجل الصامد الثابت، الذي كان يواجه المصائب والابتلاءات بالبسمة الهادئة والحكمة الصامتة والسكينة والتعفف وعزة النفس ..

شرّد من البلاد في أول التسعينات وكان طالبا، دون أن يقترف ذنبا يستجوب النفي والتنكيل. وتنقل من بلد لآخر في ربوع إفريقيا، للدراسة أولا ثم للعمل في المؤسسات الخيرية الاغاثية، في انتظار صحوة ضمير لمقترفي كبيرة التشريد لم تأت أبدا ..

واجه مرضه بصبر ورباطة جأش أسطوريين. انتقل بعد جولات علاج في المغرب إلى اسطنبول، في طريقه إلى دولة أروبية، للجوء السياسي والمعالجة ..

ولكنه أدرك بيقين المؤمن أن قدر الله اقترب .. فاختار البقاء هناك في الأستانة .. ورفض بشدة فكرة السعي للعودة للموت في أرض الوطن .. بل أوصى بإلحاح الواثق بأن يدفن في اسطنبول وأن لا يعاد جثمانه إلى حيث أهله وذويه .. كي يبقى شاهدا على بشاعة جرم التهجير وعلى مرارة ظلم ذوي القربى.

رحمك الله أخي "قيس"، عشت عزيزا ومتّ كريما، وخلفت لمعشر المهجرين عبرة من ذهب .. لمن كان له عقل وقلب.

ليس حب الوطن في العودة اليه مطأطأ مرتجفا ... بل حب الوطن في العودة اليه عزيزا كريما: حيّا مرفوع الهامة رافعا لشارة النصر، أو جثمانا قرير البال ملفوفا في علم الوطن، أو ذكرا طيبا وعبرة للاجيال القادمة واسما على لوحات شوارع مدن البلاد وقراها ذات يوم يعود فيه المهجرون جميعهم، دون استثناء، الى ترابهم .. وتعود فيه الكرامة والعزة للتونسيين ..
يرونه بعيدا ونراه قريبا!

عماد الدائمي

)الصورة التقطتها في زيارة لمدينة اسطنبول في يونيو/جوان الماضي

الأحد، 12 ديسمبر 2010

حوار على صفحات الموقف ليوم الجمعة 10 ديسمبر 2010


عماد الدائمي، مهندس وخبير في أنظمة معلوماتية، واحد من الوجوه المهجرية البارزة، وهو منسّق «المنظمة الدولية للمهجّرين التونسيين » بعد ان ترأس المؤتمر لأول للمنظمة الذي انعقد بجينيف يومي 21 و 22 جوان 2009 . مهجّر عن تراب الوطن منذ نوفمبر 1991 وله كتاب «المهجّرون التونسيون: من هم؟ » الذي سيصدر في الأيام القريبة القادمة في باريس.


1-  كيف تقيمون أداء المنظمة الدولية للمهجرين بعد عام ونصف من تأسيسها، وهل ُتقدرون أنها حققت خلال الفترة الماضية ولو جزءا من الأهداف التي من اجلها أنشئت؟

إن تأسيس "المنظمة الدولية للمهجرين التونسيين" والزخم الكبير الذي واكب التأسيس وتلاه كان في حد ذاته إنجازا كبيرا للجسم المهجري التونسي الذي ظل طيلة عقدين كاملين رافدا لكل نضالات الوطنيين داخل البلاد وداعما لكل قضاياهم العادلة دون أن يلتفت لقضيته المباشرة قضية العودة للبلاد بعد طول تهجير.
وقد تمكنت المنظمة، بفضل تكاتف أعضائها وإيمانهم بعدالة قضيتهم وتحليهم بروح المسؤولية، من تجاوز الصعوبات والعوائق الذاتية والموضوعية التي كادت تعصف بها إثر ولادتها. وهي اليوم تتقدم بخطى متسارعة على درب إنجاز الأهداف التي اُنشئت من أجلها وتنزيل خطة العمل المتدرجة التي حددتها على هدي من مقررات المؤتمر التأسيسي وتوصيات الهيئة الادارية. حيث استكملت بناءها الداخلي، ثم توجهت الى الرأي العام المهجري تأطيرا وإقناعا بالمشروع وبجدوى العمل المنظم المشترك من أجل تحسين شروط العودة ووقف مسار الابتزاز والمساومة المعتمد من قبل المصالح القنصلية والأمنية. وتوجهت اثر ذلك الى الرأي العام الوطني والعربي والدولي تعريفا بالقضية وتحسيسا بعدالتها، واكتسبت تعاطفا واسعا داخل الوطن وخارجه. وقد أطلقت المنظمة أخيرا مرحلة جديدة هي مرحلة العمل الميداني المدعوم بتغطية اعلامية مكثفة من أجل التصدي للممارسات الابتزازية والمطالبة بحل عاجل وشامل لوقف المظلمة. ولا شك عندنا أن تحسين شروط العودة نسبيا، خلال هذه الصائفة، والتقليص من المضايقات للعائدين حديثا، إنما تيسر بفضل مجهوداتنا جميعا في التعريف بالقضية والإستنفار لها.
بقي أن أشير الى هدف آخر بدأت المنظمة تحقيقه ونأمل أن تتقدم فيه أشواطا أكبر في المدة القريبة القادمة هو هدف الحفاظ على ذاكرة المهجر، وتقديم خلاصات التجربة المهجرية التونسية ودروسها ورواياتها لعموم التونسيين وللأجيال القادمة.

2 - البعض يرى أنها فقدت الكثير من الزخم الذي رافق لحظة انبعاثها، هل توافقون هذا الرأي؟

لا شك أن المنظمة فقدت في مخاض التكوين والبناء بعضا من زخم التأسيس، حيث اصطدمت الاحلام والطموحات العظام التي ولّدها حدث المؤتمر التأسيسي المتميز (الذي حضره أكثر من 150 مهجّرا تونسيا قدموا من القارات الخمس) بصعوبات التنزيل في أرض واقع شديد التعقيد، وعلى أيدي فاعلين متعددي الرؤى والتصورات، ومتنوعي المشارب السياسية والفكرية، ومختلفين في الكثير من الأمور ولكن مجتمعين على ضرورة إيجاد حل عادل يكفل عودة آمنة وكريمة لكل المهجّرين. وقد كان السلوك الطبيعي أن انكفأت المنظمة الوليدة على نفسها طيلة أسابيع عديدة من أجل إتمام بناء هياكلها وحل مشاكلها وضمان وحدتها، قبل أن تعود من جديد للفعل الخارجي وتنفيذ خطة العمل واصدار المواقف. وهو ما أنتج حالة من الترقب لدى عدد من المهجّرين والمتابعين خارج البلاد وداخلها. ولكننا نجزم اليوم أن المنظمة هي بصدد استعادة زخم التأسيس بنسق متسارع في ارتباط بتقدمها في تحقيق الأهداف التي تأسست من أجلها.

3 – هناك من يرى أن الخلافات التي جرت داخل المنظمة أثرت على أدائها كيف تردون على ذلك؟ وما هي طبيعة هذه الخلافات، هل هي شخصية أم هي تتعلق بالتوجهات والتصورات العامة التي يجب أن تقود المنظمة؟

لا ننفي أن آداء المنظمة الخارجي تأثر كثيرا في البداية بالاختلافات في التقدير التي هي أمر طبيعي في العمل الجمعوي. ولكن الأكيد أن تلك الخلافات لم تكن ذات صبغة شخصية، كما لم تتعلق بالخط العام والتوجهات الكبرى للمنظمة التي حددها المؤتمر بوضوح. بل كانت متعلقة بتصورات شكل ادارة المنظمة. وقد حُلّ الخلاف، عبر الهيئة الادارية، بشكل حضاري تميّز بكثير من المسؤولية والحكمة في التعامل. وانتقلت المنظمة اثر ذلك إلى الفعل والحراك.

4 - ما هي ابرز التحديات والعوائق التي واجهتكم خلال الفترة الماضية؟

لقد كان التحدي الأكبر الذي واجهنا منذ تأسيس المنظمة هو الحفاظ على التوازن الصعب في الخطاب بين سلوك المطلبية والتدرج مع تجنب التصعيد والتشنج من ناحية، وبين الضغط والإحراج والدفاع عن الثوابت والمبدئية من ناحية أخرى. ونحسب أن خطابنا تطور تدريجيا بالممارسة والنقد البناء من قبل زملائنا في المنظمة وعموم المهجّرين والمتابعين.
أما عن أبرز العوائق التي تعرضنا لها فأذكر عائقين رئيسين: الأول هو عدم تفاعل السلطة مع مطالبنا العادلة، رغم كل الخطوات التي قمنا بها تجاهها. حيث قمنا بحملة مراسلات مكثفة إلى الجهات الرسمية من أجل المطالبة بحل القضية وطي صفحة الماضي شملت السادة رئيس الجمهورية والوزير الأول وزراء الخارجية والعدل والشؤون الاجتماعية، ورئيسي البرلمان ومجلس المستشارين، وقرابة الخمسين نائبا من نواب البرلمان، إضافة لمراسلة أغلب السفراء والقناصل التونسيين في العالم. ولم نلق لحد الان أي ردّ، مما يؤشر على غياب أي إرادة سياسية لوقف نزيف الغربة المفروض على أكثر من ألف تونسي في مشارق الارض ومغاربها، ولوقف أساليب الابتزاز السياسي والأمني والمالي التي تمارسها بعض المصالح القنصلية تجاه بعض الراغبين في "تسوية الوضع الاداري" والعودة للبلاد. ولو توفرت الارادة السياسية لتم حلّ القضية في أسابيع معدودة. وقد عبرنا مرارا عن استعدادنا للحوار والتفاوض لا على حقنا المقدس في العودة بل على آليات تنزيل ذلك الحق وجدولته.
أما العائق الثاني وهو متعلق بالأول، فيتمثل في يأس العشرات من المهجّرين التام من أي امكانية للعودة في ظل الوضع السياسي الحالي وعدم ثقتهم في أي ضمانات قد تعد بها السلطة، وهو ما يجعلهم غير معنيين بأنشطتنا.

5 –  من المؤاخذات التي توجه إلى المنظمة هيمنة لون سياسي معين عليها، كيف تردون على هذه المؤاخذات؟

يكفي اليوم النظر لتركيبة المكتب التنفيذي للمنظمة للتأكد من أن هذه الفرضية خاطئة ومجحفة. حيث أنه يضم أعضاء ممثلين لأغلب مكونات الطيف السياسي المعني بمأساة التهجير كما يضم مستقلين. والمكتب ليس إلا إفرازا للفسيفساء المشكّلة للجسم المهجري التونسي الثري بتعدده وتنوعه. ولعل هذا التوازن والتمثيل هو سرّ الإجماع الوطني الذي تحقق حول قضية عودة المهجّرين في الفترة الأخيرة.

6 –  بين من يدعون إلى حصر مهام المنظمة في المطالب المباشرة المتعلقة بالعودة إلى تونس، وبين من يطالبون بان تكون للمنظمة رؤية إستراتيجية تضع ملف العودة في إطار اشمل أي ضمن حل سياسي شامل لملف المهجّرين، بين هذا وذاك اين يجب أن تتموقع المنظمة حسب رأيكم؟

المنظمة تموقعت حيث وضعها المؤتمر التأسيسي، الذي اختار لها هوية مطلبية قانونية ووضع لها سقفا سياسيا لا يتعدى حدود استعمال وسائل الضغط المدني السلمي من أجل ايقاف مظلمة التهجير وتوفير شروط العودة الكريمة والامنة لأرض الوطن. غير أن معنى العودة الكريمة لا يقتصر في نظرنا على استرجاع جواز السفر والعودة الفردية الى ارض الوطن بل يفترض أيضا استرداد الحقوق المدنية بما فيها الحق في الفعل السياسي والمشاركة في الشأن العام دون قيد أو شرط.
وحيث أن نظرة المهجّرين لطبيعة العودة المنشودة تختلف من فرد لأخر (من عائد للاصطياف وزيارة الأهل مع تطليق السياسة ثلاث وصولا إلى راغب في العودة النهائية للبلاد للنضال والمشاركة الفعالة في الحياة السياسية أو الجمعياتية)، فإن المنظمة تعتبر نفسها اطارا لخدمة كل أصناف العودة تلك، مع اعتبار أن نقطة الالتقاء بين كل تلك "المشاريع" والتصورات هو مبدأ العمل المشترك من أجل تحقيق العودة الكريمة  للجميع .. فقط!
أما الحديث عن أبعاد استراتيجية كبرى، وعن حل سياسي شامل لملف المهجّرين فهو من قبيل الخلط بين دور منظمة مثل منظمتنا ودور الأحزاب السياسية المعنية بالعمل من أجل التفاوض مع السلطة أوالضغط عليها أو "المقاومة " أو "المشاركة " من أجل ايجاد الحلول الشاملة...

7 – أخيرا هل من فكرة عن البرامج او الخطط المستقبلية للمنظمة، وكيف تتصورون إمكانية تطوير آدائها؟

إن آداء المنظمة هو بصدد التطور والتصاعد. ونحن، في المكتب التنفيذي، نجتهد كل يوم للرفع من وتيرة حراكنا وذلك عبر استنفار عزائم وإرادات أعضاء المنظمة في مختلف المهاجر، الذين هم في أغلبهم من الكفاءات وأصحاب الخبرات العلمية والتجارب المؤسساتية حيثما كانوا، عبر حركية إعلامية داخلية مكثفة.
غير أننا حريصون في الآن ذاته على إتباع المنهجية المطلبية التدرجية التي اعتمدها المؤتمر التأسيسي، دون حرق للمراحل أو خلط للأوراق. وقد دخلنا أخيرا مرحلة التحركات الميدانية الاحتجاجية أمام التمثيليات الدبلوماسية التونسية في بلدان مهجرية شتى، من أجل الضغط الإعلامي والسياسي حتى تتوقف نهائيا كل الممارسات الابتزازية التي تمس من كرامة المهجرين ومن سمعة البلاد. وستتلو هذه التحركات خطوات تصاعدية سنعلن عنها في الإبان.
وندعو في الختام كل الوطنيين الأحرار للاصطفاف إلى جانبنا ومساندة حق شركائهم في الوطن المحرومين منه في العودة الكريمة والآمنة والشاملة، كي يلتئم الشمل ويجتمع الشتات ويعود الدر إلى معدنه.

جريدة الموقف ليوم 10 ديسمبر 2010



الجمعة، 26 نوفمبر 2010

المهجّرون التونسيون من هم


" المهجّرون التونسيون من هم "؟

الطاهر العبيدي
taharlabidi@free.fr

ذاك هو عنوان كتاب سيصدر قريبا باللغة العربية عن منشورات

" المنظمة الدولية للمهجرين التونسيين "، بإمضاء المهندس " عماد الدايمي "، والذي سيكون موجودا في الأكشاك والمكتبات، والفضاءات المعرفية، ومختلف المساحات والأطر الثقافية والفكرية، في أوروبا والدول العربية. وهو عبارة عن وثيقة متفرّدة من حيث المضمون والطرح وتناول الموضوع، الذي انطلق من فكرة متناغمة مع واقع المهجّرين المعاش، ضمن طرح جملة من الأسئلة الضوئية القريبة من مشاغل وهموم المهجّرين التونسيين، المنتشرين في العديد من دول العالم، حول بداية مرحلة البحث عن الاستقرار وما رافقها من متاعب وهموم، وصولا إلى مرحلة التأسيس والاستقرار في المجتمعات الحاضنة، والتعريج على حالة التخبط والنجاح والحلم والأمل والألم، وأوجاع الغربة ووخزات الحنين، والتحديات والآفاق، والاندماج والفعل والحراك والانجاز، وقد زاوج الكتاب بين الحدثية التاريخية، وبين التنفس الاجتماعي، وبين الدراسة الرقمية، فكانت هذه الوثيقة إحدى الورقات الشاهدة على المنعرجات الحدباء للدولة الوطنية، وخلطة متنوعة امتزج فيها الاجتماعي بالسياسي بالفكري بالحقوقي، ليكون الكتاب فسيساء تصيّد اللحظات التاريخية، واقتنص محطات من الزمن السياسي المهجري، الذي تدثر بالرداء الاجتماعي لشريحة من التونسيين الذين لطمتهم سنوات الغربة والتهجير، بشكل يكون متفرّدا من حيث التجربة التي سيّجتها الأحزان ولوّنتها الانجازات، وطبعتها حالة التماوج العلني والأخرس بين هنا وهناك، فقد نجح الكاتب في أن يلتزم الحياد في نقل الصور، وهندسة هذه التجربة بشكل يتيح للمتابع استبيان ملامح هذه التجربة في أبعادها الاجتماعية والسياسية، ومدى تأثيرها في الزمن السيكولوجي القادم. وقد اختار الكاتب تسطير هذه التجربة بطريقة جيومترية، استندت إلى قراءة في عملية استفتاء، شارك فيها العديد من المهجّرين التونسيين الموزعين في العديد من دول التبني، عبر طرح أسئلة أرضية اختصرت مسافات البحث والتنقيب، لتكون أجوبة هؤلاء  مختبرا حمّضت فيه صور الأجوبة، لتكون المشاهد بارزة بالألوان، من خلال القراءة والاستقراء والتعليق والتوغل بين منعرجات وأخاديد الأجوبة. وقد حاول الكاتب نسج هذه التجربة ضمن جداول وأرقام واستشهادات، واجتهاد في استنطاق الصامت من المتكلم، مستندا على حقائق وأرقام ومعرفة بالملف، حيث أن الكاتب هو أحد المهجّرين،  ممّا جعله ملما بحيثيات الموضوع ومساربه وثناياه المتشعبة.

كتاب " المهجرون التونسيون من هم؟ "، في رأينا هو انجاز مهجري يشد الانتباه، وجهد معتبر يجعل من المهجر إحدى الشهادات الصارخة التي تؤرخ لأثر سيظل وشما في جبين التاريخ، وستكون لنا إنشاء الله عودة للكتاب للقراءة والاستقراء والتحليل والوقوف حين يكون الكتاب قد انبلج صبحه في الأسواق.     

الأربعاء، 10 نوفمبر 2010

إذا عُرف السبب بطل العجب

أكد بعض الأصدقاء رفع الحجب عن عدد من المواقع "الممنوعة" هذا الصباح. وكانت ردة فعلي "اللاإرادية" الأولى البحث في الصحف التونسية عن خبر يفسر هذا الأمر العجيب والخارق للعادة. ولم أبحث طويلا، حيث سرعان ما وجدت في صحيفة الحزب الحاكم الخبر التالي: "انعقاد الدورة الخامسة لمنتدى تكنولوجيات الاتصال للجميع تونس زائد خمسة وسيكون موضوعها هذه السنة حول تكنولوجيات المعلومات والإتصال مصدر الإلهام والتجديد وروح المبادرة للشّباب. وتندرج هذه الندوة في إطار الاحتفال بالذكرى الخامسة للقمة العالمية حول مجتمع المعلومات في مرحلتها الثانية «تونس 2005» وكذلك الاحتفال بالسنة الدوليّة للشّباب. هذه المبادرة التي اعتمدتها منظّمة الأمم المتحدة بناء على مقترح سيادة الرئيس زين العابدين بن علي..."

الأمر إذا واضح وضوح الشمس: زوال الحجب ليس إلا "سراحا شرطيا للأنترنت" وعطلة وقتية ل"عمار" .. وستعود الأمور "لنصابها" والأوضاع لمجراها "الطبيعي" في اليوم الموالي لانتهاء الدورة الدولية وعودة الوفود العالمية لبلدانها.

إنه الكرم الحاتمي بعينه ... ثلاثة أيام بلياليها من الضيافة ... لم تجُد فيها "بلادنا" فقط بأحسن ما تملك لضيوفها الكرام .. بل جادت فيها بما لا تملك أيضا: أي بحرية المعلومة والابحار على الشبكة العنكبوتية .. وجود المرء بما لا يملك، كما تعلمون، هو أعلى أنواع الكرم.

وفي الأخير، تمتعوا أيها "الطفيليون" بفتات موائد الضيوف خلال الأيام الثلاثة القادمة، واستغلوا الوقت كل الوقت في الابحار والتصفح والشحن والتنزيل .. قبل زوال "البركة" بمغادرة الضيف.

وأكثروا في الختام من الدعاء بأن يجعل الله كل أيام بلادكم ندوات دولية ودورات عالمية وقمم (بكسر القاف لا ضمها) كونية ... حتى تستديم البركة ويُحال "عمّار" على التقاعد المبكّر...
آمين.

عماد الدائمي

الخميس، 12 أغسطس 2010

عريضة وطنية : لا للتمديد .. لا للتوريث

نحن التونسيون من كل التوجهات السياسية والايديولوجية والفكرية .. ومن كل جهات البلاد .. ومن داخل الوطن وخارجه .. نعلن رفضنا المطلق لأي محاولة لتحوير الدستور من أجل تمكين زين العابدين بن علي من التقدم للانتخابات الرئاسية القادمة .. ومن ثمة لمواصلة الحكم في اطار حكم مؤبد أشبه ما يكون بملكية مقنعة.كما نعلن رفضنا القطعي، غير القابل للنقاش أوالتفاوض، لأي مسعى لتوريث الحكم لأي شخص من محيط الرئيس الحالي الأسري، كزوجته أو أحد أصهاره، أو من احدى الدوائر المتنفذة المحيطة به.ونعلن، مسبقا، عدم اعترافنا بأي خطوة تصب في أحد هذين التوجهين، التمديد أوالتوريث، المخالفين لأبسط قواعد الديموقراطية والمنتهكين لكرامة التونسيين ولحقهم في اختيار من يحكمهم.عاشت تونس حرة مستقلة .. وعاشت الجمهورية الحقيقية لا المزيفة.
للامضاء يرجى إرسال الاسم الحقيقي والمهنة ومدينة الاقامة على العنوان التالي:
pourlatunisie@gmail.com

الأحد، 8 أغسطس 2010

دعوات التمديد للرئيس بن علي بالون اختبار .. قبل اتخاذ القرار

تفاجأ العديد من المتابعين للأوضاع التونسية من داخل البلاد وخارجها بالدعوة الصادرة منذ أيام عن اللجنة المركزية لحزب التجمع الدستوري الحاكم للرئيس بن علي "لمواصلة قيادة البلاد في المرحلة القادمة"، في إشارة صريحة للاستمرار في رئاسة البلاد بعد انتهاء ولايته الأخيرة دستوريا وقانونيا بعد أربع سنوات من الآن.
ولعل المفاجأة لاتتعلّق بنوايا هرم السلطة التأبيدية أو التوريثية المعلومة لدى القاصي والداني، بل تتعلق أساسا بالشكل والتوقيت وصدور الدعوة دونما إعداد وتهيئة إعلاميّة ونفسيّة.

إن القراءة المتأنية لنص البلاغ الصحفي الذي تضمّن تلك المناشدة ودراسة المصطلحات التي تم استعمالها في النص، ثم مقارنة مختلف الصيغ المعتمدة في المواقع الإعلامية التي تناولت "الحدث" يسّرت لنا الوصول إلى استخلاصات قد تكون مفيدة لمعرفة الجهة التي تقف وراء هذه الدعوة والهدف المخفي المراد منها.

1ـ من يقف وراء هذه المناشدة

عند متابعة كرونولوجيا نشر خبر مناشدة الحزب الحاكم للرئيس بن علي "قيادة تونس في المرحلة القادمة"، تبيّن أنّ ذلك الخبر صدر أوّلا في تقرير غير ممضى لوكالة تونس افريقيا للأنباء عُنون بـ: "فحوى اللائحة العامة للدورة الثالثة للجنة المركزية للتجمع الدستوري الديمقراطي" ([1]) بتاريخ 17 جويلية 2010. وقد نقلت التقرير بصيغته الكاملة دون تحوير أو تصرّف أغلب وسائل الاعلام الرسميّة والصحفيّة التونسيّة، مثل جريدة الصباح ([2])،والملاحظ ([3])،وموقع السياسية "المستقل" ([4])،وأساسا موقع أخبار تونس ([5])الذي نقلت عنه الخبر أغلب وسائل الاعلام العربية (الجزيرة، محيط، ايلاف، الرياض السعودية، الشروق الجزائرية، الخليج الاماراتية، القدس العربي، ..).

وجاءت صيغة التقرير، الذي اُفتتح مباشرة بالمناشدة، كملخّص طويل للائحة العامة المذكورة أعلاه. غير أنّ المثير للانتباه أنّ تلك اللائحة العامة في حدّ ذاتها لم تنشر على موقع حزب التجمّع الدستوري الحاكم، كما جرت العادة في نشر لوائح مؤتمرات الحزب واجتماعات لجنته المركزية ([6]).

والأغرب من هذا أنّ التغطية المفصّلة لأشغال اللجنة المركزية تلك على صفحات ذلك الموقع (في 5 تقارير مختلفة من قاعة الاجتماع))[7]) خلت من أيّ إشارة لتلك "المناشدة"، وكذلك خلت تغطية جريدة الحرّية الناطقة باسم الحزب لذلك "الحدث" في عددها ليوم 17 جويلية ([8]) من مثل تلك الاشارة. ولم "تنتبه" جريدة التجمّع لتلك المناشدة إلاّ في عددها ليوم 20 جويلية في مقال عنونته "مناشدة الرئيس بن علي مواصلة قيادة تونس للمرحلة القادمة"، صيغ بالطابع التزلّفي المعهود. وقد اُضيفت إلى فحوى المناشدة جملة توضيحيّة لمن لم يفهم المقصود ".. وبأن يكون مرشّح التجمّع الدستوري الديموقراطي سنة 2014"([9]).

ولا يعني حديثنا عن هذا الإغفال أو التأخير في نشر المناشدة تشكيكا في دعم الحزب الحاكم لنوايا التأبيد أو التوريث التي تنتاب رئيسه، ولا في صدقيّة صدور مناشدات للاستمرار في الحكم من أفراد ترعرعوا على الصنميّة وعلى الاستهانة بالدستور.

ولكنّنا نجازف بالاستخلاص بناء على ما تقدّم وانطلاقا من فهمنا لآليات اتخاذ القرار لدى السلطات التونسية، أنّ الترويج لهذه المناشدة ونشرها في هذا التوقيت بالذات وبهذا الشكل لم يكن عفويّا أو اعتباطيّا، إنّما جاء على الأرجح بقرار واع ومدروس من دوائر القرار الضيّقة في محيط مستشاري الرئيس المقرّبين لخدمة أهداف محدّدة سنتناولها لاحقا.

2 ـ بالون اختبار بامتياز

"بالون الاختبار" هو أداة تستعملها الحكومات أو قوى الضغط المختلفة أو وسائل الإعلام لنشر أخبار تستهدف قياس الرأي العام أو جسّ نبضه أو جلب اهتمام قطاع محدّد والتأثير عليه.
وتنطبق كل خصائص بالون الاختبار على خبر "المناشدة" الذي نحن بصدد تحليله وهي كالتالي:
أ ـ عنصر المفاجأة: حيث فاجأ الخبر أغلب المتابعين باعتبار حدوثه دون مقدّمات، أثناء العطلة الصيفيّة وفي ظل فراغ سياسي كبير، وبسبب تبكيره الشديد، حيث جاء 4 سنوات كاملة قبل نهاية ولاية السيّد بن علي وموعد الانتخابات الرئاسية القادمة.
 ب ـ سرّية المصدر أو الغموض حول الجهة التي "صنعت" الخبر وروّجت له : حيث كشف التحليل السابق أنّ المصدر الأوّل للخبر لم يكن ترجيحا الجهاز الإعلامي للحزب الحاكم. كما أنّ التقرير الذي أطلق الخبر، والذي كان دون إمضاء، خلا من أي أسماء لأعضاء محدّدين في اللجنة المركزيّة بادروا إلى "المناشدة".
ج ـ عنصر الصدمة أو "جرأة" الخبر: حيث أنّ خبر مناشدة الرئيس المواصلة في الحكم بعد انتهاء ولايته الأخيرة دستوريا يعني بالضرورة دعوة للانقلاب على الدستور مرّة أخرى لتمكين الرجل الذي اكتسب شرعيّته من شعار "لا للرئاسة مدى الحياة" من الاستمرار في الرئاسة لولاية سادسة رغم تقدّمة في السنّ.ولا شكّ أنّ مثل هذه الدعوة مثيرة للصدمة والاشمئزاز والتندّر ليس فقط في صفوف المعارضين، بل لدى فئات واسعة من التونسيين، ناهيك عن الرأي العام العربي والدولي المتعوّد على مثل هذه "الروائح" التي تفوح من أحذية الأنظمة المتجمدة  التي لا زالت تقاوم تيار الانفتاح والديموقراطية في العالم.
د ـ اختصار الخبر وتعمّد الغموض في مضمونه: حيث تعمّد صانعو "البالون" اختيار مصطلحات فضفاضة تلمّح إلى معنى محدّد ولكنّها قد تحتمل معاني أخرى مختلفة. حيث اعتمدوا لفظ "مواصلة قيادة تونس" كتلميح ل "الاستمرار في رئاسة البلاد". ولكنّ كلمة "القيادة" تتحمّل أيضا معاني التوجيه والعناية والقدوة، كما أنّها غير محصورة منطقيّا في مؤسّسة رئاسة الجمهوريّة. وقد رأينا في بلدان أخرى رؤساء سابقين ينتقلون إثر إنتهاء ولايتهم إلى مجالس الشيوخ أو إلى هيئات استشاريّة عليا تُوجّه سياسات البلاد (مثل مجلس تشخيص مصلحة النظام في ايران) ([10]) أو يصيرون مثل مانديلا رموزا وقدوات.كما اعتمد محرّر الخبر لفظ " .. في المرحلة القادمة" في تلميح للدورة الرئاسية القادمة (2014ـ2019)..
ولعلّ تعمّد الغموض يهدف إلى تخفيف وطأة الصدمة، وإلى دفع النّاس للتفكير في مضمون الخبر والتجادل والتحاور حوله وذلك أمر يسهّل سبر آراء الرأي العام ومعرفة توجّهاته.ويبدو أنّ "متزلّفي" جريدة الحرّية لسان الحزب الحاكم لم يدركوا هذا المقصد حيث قتلوا الغموض وبدّدوه بإضافتهم الدعوة لترشيح بن علي للانتخابات القادمة في فحوى المناشدة. وهو ما يؤكّد مجدّدا أنّ الموضوع لم يطبخ في قيادة الحزب بل في مستوى أعلى.
هـ ـ تجنّب التعليق على الخبر إثر نشره توضيحا أو تأكيدا أو تكذيبا، إدامة للغموض وحرصا على متابعة ردود الفعل وقياس اتّجاهات الرأي قبل اتّخاذ أي قرارات. وفي هذا الإطار نفهم تجنّب الإشارة من قريب أو بعيد لموقف الرئيس من هذه المناشدة. وهو موقف قد يدوم أشهرا عديدة في انتظار توضّح الصورة ومعرفة مسار الأمور.

3 ـ الأهداف الخفيّة لهذه المناورة الإعلامية

على الرغم من أنّ صيغة الخبر وسياقاته تفترض أن يكون الهدف من إطلاق هذا البالون هو إعداد الرأي العام الوطني والخارجي وتهيئته لتقبّل قرار منتظر بالانطلاق في عمليّة تحوير الدستور لإلغاء الفصل 40 الذي يحدّد السن القصوى للترشح (75 سنة) ويحرم السيّد بن علي من الاستمرار في الحكم.
وعلى الرغم من "السوابق" المتعددة للرئيس بن علي ولحزبه منذ عهد الرئيس بورقيبة ([11]) في تطويع الدستور والنّصوص القانونيّة لخدمة نزوات التمديد والتأبيد، تذهب في اتّجاه تأكيد هذا التوقّع. فإنّنا نعتقد أنّ هذاالهدف ليس إلا الخيار "أ" ضمن قائمة خيارات متعدّدة تخدم كلّها مصالح الأسرة الحاكمة ودوائر المصلحة المحيطة بها.
حيث يُدرك صنّاع القرار (أي مُطلقو البالون) جيّدا أنّ التمديد لبن علي هذه المرّة لن يكون بالسهولة التي كان عليها في المرّتين السابقتين، لتزايد العداء الداخلي وأساسا الرفض الخارجي لهذا التمشّي، ولاهتراء شرعيّته وتقدّم سنّه وتدهور صحّته بشكل يُذكّر تماما بأواخر العهد البورقيبي.
ولعلّ الصعوبة الحقيقيّة لهذه المأموريّة هي ما يُبرّر التبكير جدّا بطرح موضوع التمديد على الرأي العام لجسّ النبض ومعرفة ردود فعل مختلف الأطراف ودراسة إمكانيات تمرير هذا الخيار من عدمها قبل اتخاذ قرار حاسم في هذا الاتّجاه أو ذاك.
ولا شكّ أنّ صمت الرئيس بن علي وامتناع محيطه المقرّب عن التعليق عن هذا الموضوع سيتواصل لمدّة طويلة، ستتكثّف خلالها من ناحيةالمناشدات (الطوعيّة-التزلّفيّة والمفروضة) ومن ناحيةأخرىالمناورات الداخليّة مع قوى المصلحة والمفاوضات مع القوى الخارجية ذات النفوذ والتأثير.
أمّا إذا تعذّر مسعى التمديد بسبب فيتو خارجي أو تنازع داخلي أو تخلّي شخصي، فلن يكون مفعول هذا البالون إلا ايجابيا. حيث سيوجّه أنظار الرأي العام نحو وجهة خاطئة، ويكثّف مشاعر السخط والرفض تجاه هذا الخيار. وهو ما سيساعد على تمرير خيارات أخرى قد يتطلّب أغلبها تحويرا دستوريّا محرجا ومحفوفا بالمخاطر من مثل سيناريوهات التوريث لصالح زوجة الرئيس صاحبة النفوذ المتزايد على مؤسسات الدولة (والذي يمرّ عبر إحداث منصب نائب رئيس يتولّى الخلافة عند الشغور)، أو لصالح صهرهما المفضّل السيّد صخر الماطري (وهو ما يتطلّب تخفيض السنّ الأدنى للترشّح من 40 سنة إلى أقلّ من 34 عمر السيد الماطري سنة 2014).
وفي ظلّ غياب مؤشّرات قطعيّةعن نوايا الرئيس بن علي في خصوص التمديد أو التخلّي في أعقاب ولايته الحالية، فإنّه يسعنا أن نضيف للاحتمالات السابقة احتمالا يبدو سرياليا في الوهلة الأولى ولكنّه ممكن نظريّا: أن يكون قرار التخلّي قد اُتّخذ أصلا وأن يكون هذا "البالون" هو جزء من الإخراج لتحسين الخاتمة وتسهيل عمليّة التوريث، تلميعا لصورة الرئيس وضمانا لمصلحة الوريث المحتمل وقوى المصلحة النافذة والحزب الحاكم.وعلى الرغم من أنّ هذا الاحتمال هو الأفضل لمصلحة "الأسرة الحاكمة" والنظام عموما، فإن أغلب المتابعين والفاعلين في الساحة السياسية المعارضة يشكّكون في إمكانية حصوله تشكيكهم أصلا في وجود نيّة عند السيّد بن علي لتوريث الحكم ما دام في النفس رمق، ومادامت الساحة تعجّ بمتزلّفين يصفّقون و"يناشدون"، ومادام الشعب ونخبه السياسية غير قادرين على قلب المعادلة وافتكاك زمام الأمور. ويحضرني هنا قول للصديق الدكتور منصف المرزوقي الذي ينصح من أراد استقراء موقف السلطة من قضيّة ما أن يفكّر مليّا في الموقف الأقرب منطقيّا لمصلحتها ثمّ يبحث عن الموقف النقيض تماما وسيجد هناك غالباالموقف الذي سيتم اعتماده!

4 ـ صدّ المناورة.. أو مسؤولية قوى البلاد الحيّة ؟

إذا كان الهدف من إطلاق "بالون اختبار" هو جسّ نبض الرأي العام قبل اتّخاذ قرارات مصيريّة تهمّ مستقبل البلاد والعباد، فإنّ ردّة فعل نخب البلاد وقواها الحيّة يجب أن تكون على درجة كبيرة من القوّة والصرامة والتنظيم كي تتمكّن من إرباك حسابات أصحاب القرار والتأثير على خياراتهم.
قد يقول البعض أنّ ردّة فعل الرأي العام قد تُؤخذ بعين الاعتبار في الديموقراطيّات التي تحترم شعوبها وتخشى غضبها. أمّا في الأنظمة التي لا تُلقي بالاً لرأي الرعيّة، فلا أمل في صدّ القرارات أو التأثير على المسارات.ولكن الواقع يُثبت أنّ تلك الأنظمة الفاقدة للشعبيّة فقدانها للشرعيّة تخشى ردّة فعل شعوبها أكثرمن الأنظمة ذات الشرعيّة، غير أنّ ضعف ردود الأفعال وتشرذم الفاعلين وتشتّتهم يطمئنها ويشجّعها على التمادي.
والصّحيح أنّ ما تخشاه تلك الأنظمة أكثر في ظلّ ضعف مؤسّسات المجتمع وأحزابه هو الضغط الخارجي، ودعوات الدمقرطة والتداول وتحسين الواجهة التي ترفعها الدول الكبرى بضغط من مجتمعاتها المدنيّة، وتسعى أحيانا لفرضها، قطعا بشكل منقوص أو مشوّه، كلّما قدّرت وجود أخطار حقيقية على الاستقرار والمصالح الإستراتيجيةمن مثل الانتفاضات الشعبيّة التي قد تقلب المعادلات وتعيد رسم الخرائط ..
إنّ أشدّ ما يراهن عليه "مُطلقو البالون" في الفترة القادمة، وما سيسعون بالتأكيد للوصول إليه بكل ما أوتوا من وسائل الحزب ومقدّرات الدولة، هو بثّ الإحباط في نفوس نخبة البلاد ومثقّفيها ورجال أعمالها وعامة النّاس، وإقناعهم بأنّ ما هم مُقدمون على إعداده من تمديد أو توريث حاصل لا محالة، وأنّه قدر لا أمل في ردّه ولا فائدة ترجى من مقاومته، وأنّه لا بدّ، للحفاظ على المصلحة، من القبول به أو على الأقلّ النأي بالنفس عن مصادمته.
إنّ مسؤوليّة النخب الواعية، من قوى معارضة ونقابيين وناشطين حقوقيين وطاقات شبابية مهتمّة بالشأن العام دون انتماءات ومستثمرين وغيرهم من أبناء الشعب الكريم، أضحت اليوم مضاعفة لإطلاق حملات شعبيّة متعدّدة الأشكال والوسائل والسقوف من أجل التصدّي لمخطّطات التأبيد والتوريث التي تستهين بذكاء الشعب وتمتهن كرامته وترتهن مستقبله.ولا شكّ أنّ مثل هذه الحملات المتزامنة ستخلق ديناميكية متصاعدة قد تدفع سريعا نحو أشكال متقدّمة من التنسيق ربّما تقود إلى بروز مشاريع إنقاذ وطنيّة جدّية تحظى بتأييد قطاعات واسعة من التونسيين، كما كان عليه الأمر في مصر الشقيقة.
إنّ ما يجري اليوم بأرض الكنانة من حراك شعبي متزايد ضدّ توريث الحكم لجمال مبارك، وما أدّى إليه ذلك الحراك من إرباك لبرامج الرئيس مبارك وحزبه الحاكم الذين لا يزالان عاجزين قبل أقلّ من سنة عن الاستحقاق الانتخابي القادم على مواجهة المصريين بخيارهم (بين التمديد والتوريث)، إن كانوا أصلا قد تمكّنوا من الاختيار، ليقدّم الدليل والنموذج على قدرة المجتمع، عندما يريد، على إرباك مخطّطات الرّاغبين في احتكار السلطة والضغط عليهم بشكل مباشر أو غير مباشرعبرزعزعة ثقة وحماية وطُمأنينة شُركائهم وضامني شرعيّتهم في الغرب الحريصين على مصالحهم الإستراتيجية طويلة الأمدأكثر من حرصهم على مصير شخص ليس إلاّ بيدقا في نظرهم لن يتردّدوا في استبداله قبل أن يفاجئوا ب"كش مات".

عماد الدائمي ـ كاتب تونسي



[1]الرابط: http://www.tap.info.tn/ar/index.php?option=com_content&task=view&id=22846&Itemid=38
[2]الرابط:http://www.assabah.com.tn/article.php?ID_art=37875
[3]الرابط:http://www.almoulahedh.com.tn/actualites-nationales/article-1623.html
[4]الرابط: http://www.assyassyia-tn.com/index.php?option=com_content&view=article&id=883
[5]الرابط: http://www.akhbar.tn/?p=56580
[6]انظر مثلا اللائحة العامة للدورة السابقة للجنة المركزية للحزب التي انعقدت في 18 يناير/جانفي الماضيhttp://www.rcd.tn/arabe/info/Ar_19012010_01.htm 
[7]انظر تقارير يومي 16 و 17 جويلية على صفحة "أخبار التجمّع" في الموقع ذاته على الرابط التاليhttp://www.rcd.tn/arabe/index1_ar.html
[8]الرابط:http://www.alhorria.info.tn/article/?ID=858&page=article&article=58978
[9]انظر نص المقال على الرابط التالي   http://www.alhorria.info.tn/?ID=860&page=article&article=59107
 [10] انظر تعريف هذه المؤسّسة في الرابط التالي .



[11]ونشير هنا أساسا إلى التحوير الذي تمّ يوم 19 مارس 1975 والذي اُضيف فيه إلى الفصل 40 من الدستور بند ينصّ على أنّ السيّد الحبيب بورقيبة هو رئيس تونس مدى الحياة. وهو الفصل الذي بادر السيّد بن علي بإلغائه مباشرة بعد إنقلاب 7 نوفمبر 1987.


الأربعاء، 30 يونيو 2010

حوار مع قدس برس

خدمة التقارير والأبحاث" فرنسا- تونس- منظمة المهجرين التونسيين- تصريحات (خاص)

الثلاثاء 29 حزيران (يونيو) 2010

قال ننتظر التفاعل الايجابي من السلطة ونؤمن بالتدرج في طرح مطالبنا
منسق منظمة المهجرين التونسيين لـ"قدس برس": شرعيتنا مستمدة من الرد على ابتزاز السلطة للمهجرين
باريس- خدمة قدس برس

اعتبر منسق المكتب التنفيذي للمنظّمة الدولية للمهجّرين التونسيين إن أساليب الابتزاز الأمني والسياسي التي تمارسها المصالح القنصلية والأجهزة الأمنية على الراغبين في تسوية وضعياتهم والاشتراطات المهينة، والمضايقات البوليسية، والهرسلة القضائية إثر عودة البعض، تمثل مؤشرات على عدم استعداد السلطة لحلّ ملف المهجرين بشكل جدي يحفظ كرامة وحق المواطنة لهؤلاء المعارضين المهجرين.

وقال منسق المكتب التنفيذي للمنظّمة الدولية للمهجّرين التونسيين المهندس عماد دايمي في تصريحات خاصة بـ"قدس برس" بمناسبة الذكرى السنوية الأولى للإعلان عن المنظمة، إن "مبادرة حق العودة للمهجّرين التونسيين قبل أكثر من سنة لتلبية حاجة حقيقية في الساحة المهجرية التونسية، لذلك التفّ حولها أغلب المهجّرين وعلقوا عليها الكثير من الآمال"، حسب تعبيره.

هذا وعلى الرغم أن المنظمة التي انبثقت عن المؤتمر التأسيسي في حزيران (يونيو) الماضي عرفت عددا من المشاكل الذاتية والموضوعية التي عطلت أعمالها نسبيّا، فإنها، كما أكد أثبتت بسرعة مشروعية وجدوى وجودها، حيث نفضت الغبار عن قضية عادلة منسية، وجعلت منها مركز اهتمام في الساحتين الحقوقية والسياسية الوطنيتين خلال الأشهر الماضية، حسب تقديره.

وشدد دايمي على أن "مشروعية المنظمة، ومسؤوليتها كذلك، أضحت اليوم مضاعفتين بسبب سياسات الإذلال والابتزاز الأمني والسياسي، التي تمارسها المصالح القنصلية والأمنية على المواطنين الراغبين في وضع حدّ لتهجير مفروض منذ سنوات طوال"، حسب وصفه.

وبشأن اختلاف وجهات النظر داخل المنظمة في التعاطي مع السلطة قال دايمي "ليس من العيب الاعتراف بوجود اختلافات في الموقف من السلطة لدى أعضاء المنظمة القادمين من خلفيات سياسية متعددة. ولكن من المهم التأكيد أنّ المؤتمر التأسيسي عرف نقاشا عميقا وصريحا بين مختلف تلك التصورات أفرز هوية حقوقية مطلبيّة لهذا الإطار الوطني المعني بالتعريف بالقضيّة المشتركة والسعي لحلها بكل الوسائل الحقوقية والمدنية الممكنة"، حسب تعبيره، مضيفا أنه "من هذا المنطلق وتنفيذا لقرارات المؤتمر وتوصيات الهيئة الإدارية الأخيرة، أعدّ المكتب التنفيذي رسالة موجّهة إلى رئيس الجمهورية لدعوته لاستعمال صلاحياته الدستورية من أجل حل هذه القضية، واتصلنا بالسفارة التونسية في باريس للمطالبة بلقاء مع السفير التونسي لتسليمه تلك الرسالة عبر القنوات الرسمية، ولمناقشة السياسة التي تعتمدها المصالح القنصلية تجاه عموم المهجّرين الساعين لتسوية وضعياتهم القانونية. غير أنّ مكتب السفير لزم الصمت لحدّ اليوم. وحقيقة لم يثننا هذا الصدّ عن تدارس خطوات أخرى لإيصال مطالب المهجّرين إلى السلطات ومطالبتها برفع العراقيل التي تضعها في وجه الراغبين في العودة إلى الوطن. وسنطلع الرأي العام على تلك الخطوات في الإبان".

وحول سياسة السلطة تجاه ملف المهجرين، أوضح المتحدث "ما من شك أن توحّد المهجّرين للمطالبة بحقهم الدستوري والإنساني في العودة إلى بلادهم وتأسيسهم لمنظمة تجمع شملهم وما رافق ذلك من تغطية إعلامية مكثفة ومن تعاطف وطني ودولي غير مسبوق، غيّر الكثير من المعطيات، حيث دفع ذلك الأمر السلطات، التي كانت على الدوام تنفي وجود تهجير ومهجّرين، إلى الاعتراف ضمنيا بالقضية، وإلى انتهاج سياسة تسعى لتكريس مبدأ التسويات الفردية المشروطة كسبيل وحيد لحلّها. غير أنّ أساليب الابتزاز الأمني والسياسي التي تمارسها المصالح القنصلية والأجهزة الأمنية على الراغبين في تسوية الوضعية تحت ذلك الإطار، والاشتراطات المهينة والمضايقات البوليسية والهرسلة القضائية اثر العودة، كل تلك التصرفات وغيرها لمؤشرات على عدم استعداد السلطة في حلّ الملف"، حسب رأيه.

وأكد دايمي أن "عدم جدية السلطة في حل هذه القضية، بقدر ما ساهم في تثبيط عدد من المعنيين بالملف ودفعهم لتأجيل طرق باب الوطن حتى ظروف أحسن، بقدر ما يزيد من مسؤولية المنظمة وهياكلها في تكثيف تحركاتها والانتقال إلى خطوات نضالية أكثر تأثير وفاعلية بعد كل ما تحقق للقضية من تعاطف وطني ومساندة عربيّة ودوليّة."

http://www.qudspress.com/?p=98346

الأحد، 6 يونيو 2010

هذه القرصنة من تلك ...عمّار (1) وتسحّال (2) شركاء في العدوان ..

على اثر قرصنة موقع حزب المؤتمر من أجل الجمهورية التونسي المعارض. http://cprtunisie.net
اختلف الفاعلون والضحيّة وحجم القضية ... ولكن الجرم واحد.
قراصنة جبناء رغم تدجيجهم بأعتى السلاح اقتحموا تحت جناح الظلام أسطول الحرّية في المياه الدوليّة لوأد التضامن ومنع محبّي العدل والسلام من كسر الحصار الظالم المضروب على غزّة العزّة والاباء ...
وآخرون أشدّ منهم خساسة وجبنا مدّوا أيديهم الآثمة والمرتعشة، من خلف سُتر وأحجبة، ليقرصنوا أحد مواقع الحرّية في المجال الافتراضي الكوني، كما فعلوا ذلك ويفعلون في كل وقت وحين، من أجل وأد الكلمة الصادقة ومنع محبّي الحرّية والتغيير الحقيقي من كسر الحصار الإعلامي الغاشم المضروب على شعبنا مسلوب الكرامة والحرّية ...
قد يتمادى هؤلاء القراصنة وأولئك في غيّهم وسيتمادون ... ولكنّهم مع كل قرصنة جديدة يقرّبون أنفسهم من نهايتهم الحتميّة البائسة. لأنّ من سنن الخلق وعِبر الزمان أن تعمى بصيرة القرصان في آخر عمره، وأن يشتدّ صلفه وطغيانه بالتمادي، حتّى يظنّ هو، وأغلبيّة ضحاياه، والأجوار والمتابعون والعالم أجمعون، أنّه قضاء مؤبّد لا مردّ له، لا فائدة ترجى من مقاومته ولا أمل في دحره .. وأنّه لا حلّ إلا في استرضائه أو تجنّبه لاتّقاء شرّه ...
عندئذ .. عند إستواء الحال، وإنهيار أمل الانعتاق، وتصاعد دعوات التطبيع مع الوضع، وإنتفاء الشروط الموضوعيّة والذاتيّة لتغييره ... عندئذ علّمنا التاريخ أنّه تهُبّ من تحت الرماد قلّة متمرّدة ترفض الإذعان والتطبيع والواقعيّة .. وتدعو للصمود والمقاومة ونزع الشرعيّة .. وتُؤمن بقدرة ضحايا القرصنة على وقف العدوان وتحقيق المصير وصناعة غد أفضل.
ستواجَه تلك الفئة أوّلا باستخفاف القرصان واستهزائه، ثمّ بنقمته وانتقامه. كما تواجَه بلامبالاة أغلبيّة الضحايا الفاقدين للأمل .. بل وبشكوك قطاع منهم واتّهاماتهم لها بالتنطّع والعنتريّة ...
عندئذ إن فهمت تلك القلّة واقعها واستجمعت قواها وعزائمها .. علّمتنا تجارب الأمم أنّ التاريخ يدخل حتما في حركة تصاعديّة: مقاومة متصاعدة تنتشر في المجتمع كبقعة الزيت تُوسّع كلّ يوم دوائر التعاطف معها في الوطن وخارجه. وفي المقابل قمع وقرصنة متزايدان، بهدف الانتقام ووأد المقاومة وكسر التضامن وتحطيم الأمل، يقلّصان كلّ يوم دوائر الحلفاء والمطبّعين وغير المكترثين ...
حركتان فيزيائيتان متقابلتان: تمدّد من ناحية وتقلّص من ناحية أخرى، توحيان بالنتيجة الطبيعيّة الحتميّة لصراع الأمم ضدّ قراصنتها. غير أنّ هذا التحليل الفيزيائي للأمور لا ينطبق على كيفيّة نهاية الصراع. حيث أنّه من دروس التاريخ المُدهشة أنّ تلك النهاية لم تكن يوما طبيعيّة أي بتطوّر موازين القوى حتّى التعادل، ثمّ تفوّق قوى المقاومة وتدهور القوّة المُقابلة تدريجيّا حتّى الانهيار. بل كانت نهاية القراصنة والطغاة دائما مفاجئة، بين عشيّة وضحاها، في أوج الجبروت، دون اعتبار لموازين القوى على أرض الواقع ..
عند تلك النهاية ينفضّ عن القرصان الحلفاء والمطبّعون والمستفيدون والجنود المخلصون، ويجد نفسه وجها لوجه مع ضحاياه المطالِبين بعدالة الأرض قبل عدالة السماء.
سيحفظ التّاريخ يومئذ كلّ من قاوم وناصر وتضامن .. ويحتفظ للعبرة بالقراصنة ومن والاهم وتبع خطاهم ..
فهل من معتبر !!
*****************************************

1-    عمّار : هو الاسم الذي يُطلقه ناشطو حملة مقاومة الحجب والقرصنة في تونس على الرّقيب وبوليس الأنترنت
2-    تسحّال: هو اسم الدلع الذي يطلقه الاعلام الصهيوني وجزء من الاعلام الغربي على جيش الكيان الغاصب