السبت، 2 أبريل 2011

حوار مع جريدة الشروق التونسية



قيادي في حزب المؤتمر من أجل الجمهوريّة لـ«الشروق»: هدفنا فضح ممارسات النظام البائد

٭ أجرى الحديث: خالد الحدّاد

٭ تونس ـ «الشروق»:


ما تزال مطارات البلاد وموانئها تشهد عودة متواصلة للعديد من الوجوه السياسيّة والحقوقيّة التي عرفت المنفى على مدار سنوات طويلة نتيجة حالة الانغلاق السياسي الّتي كانت تطبع وبامتياز حقبة حكم الرئيس السابق.
مُجالسة البعض من هؤلاء العائدين، يمنحك فرصة استكشاف العديد من المعطيات والحقائق، «الشروق» تتحدّث اليوم مع السيّد عماد الدائمي، وهو من الشباب الطلابي الّذي غادر تونس بداية تسعينيات القرن الماضي نتيجة الهجمة التسلطيّة والقمعيّة للنظام السابق على الحركة الطلابيّة والحركة الإسلاميّة والتي كان مُحدّثنا أحد رموزها.
الحديث تطرّق إلى العديد من المحاور والملفات، ناهيك عن تقديم فكرة ضافية عن تأسيس أحد الأحزاب السياسية في المهجر وهو «حزب المؤتمر من أجل الجمهوريّة» والّذي يقوده الوجه السياسي المعروف السيّد منصف المرزوقي، هذا الحزب الّذي باشر منذ تأسيسه سنة 2001 في صياغة أجندة قادحة وجريئة تجاه النظام السابق ورموزه عبر مقولته الشهيرة «إنّ هذا النظام لا يصلح ولا يُصلح»، في ما يلي نصّ الحديث:

٭ كيف تقدّمون أنفسكم لمن لا يعرفكم؟

ـ أنا اليوم سعيد وفخور أن أعرّف نفسي بأنّني مواطن تونسي، مواطن استعاد مواطنته المسلوبة في سن الأربعين، بعد عشرين سنة من التهجير القسري خارج أرض الوطن، عشرون سنة كاملة حُرمت فيها من وثائقي الإدارية التونسية، ومن حقي في رؤية أهلي وأحبّتي وتقبيل تربة بلدي، ناهيك عن حقي في الإسهام بجهدي المتواضع في بناء مستقبل وطني من داخل حدوده. غادرت تونس مكرها في أول التسعينات بعد أن عرفت الاعتقال والتعذيب والسجن والملاحقة مجددا بسبب أنشطتي النقابية والسياسية الطلابية. ثم انطلقت في أرض الله الواسعة في رحلة البحث عن مأمن في انتظار العودة للوطن، مرورا بليبيا ثم موريطانيا، حيث علقت لسنوات عديدة بدون هوية بعد احتجاز السفارة التونسية لجوازي، ثم السنغال التي غادرتها إلى أوروبا في مغامرة لم تكن مأمونة العواقب، ولكن الله سلّم. وبعد حصولي على حق اللجوء السياسي في باريس واصلت دراساتي العليا في اقتصاد التنمية، ثم حوّلت وجهتي إلى الإعلامية، حيث أعمل اليوم كخبير في الأنظمة المعلوماتية لدى مجموعة دولية بارزة. وقد انخرطت حال وصولي لأوروبا في الجهد الحقوقي للدفاع عن المساجين وفضح ممارسات النظام البائد، وفي العمل الفكري الأكاديمي صحبة أصدقاء لي أخص بالذكر منهم صديقي العزيز الدكتور سليم بن حميدان، تحليلا لأوضاع البلاد ومتابعة لكل ما يكتب حولها ومواكبة لمسارات العولمة، وفي العمل الإعلامي عبر تأسيسي لعدد من المواقع على شبكة الأنترنت كان أولها موقع «تونس2004» ومنتدى «نكتة» للنكت السياسية التونسية. ثم انتقلت رفقة الأصدقاء ذاتهم للعمل السياسي حيث أسسنا مع صديقنا المنصف المرزوقي وبقية الزملاء في تونس حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية».

٭ لو تحدّثنا عن منطلقات حزب «المؤتمر من أجل الجمهوريّة» ودواعي تأسيسه؟

ـ أقدمنا على تأسيس حزب «المؤتمر» في سنة 2001 بعد أن وصلنا جميعنا إلى قناعة مفادها أن العمل الحقوقي لا يمكن إطلاقا أن يغير النظام الدكتاتوري القائم، وأن البلاد كانت في أشد الحاجة إلى حزب طلائعي يصعّد الخطاب والممارسة النضالية تجاه النظام، ويجرّئ المجتمع التونسي نخبة وعامة على رموز السلطة، ويطرح شعارات التغيير الحقيقي دون حسابات أو اعتبار لموازين القوى، ويسعى إلى تجميع قوى المعارضة الحقيقية على اختلاف أطروحاتها وإيديولوجياتها من أجل خوض معركة المقاومة تجاه سلطة 7 نوفمبر. وقد جاء الحزب ليلبي حاجة حقيقية في الساحة السياسية حيث كانت حركة النهضة، كبرى حركات المعارضة، لا تزال منهكة من حملات القمع والاستئصال المتواصلة، وغارقة في محاولات ترتيب بيتها الداخلي المتصدع، كما كانت بقية الأطراف متدنية السقف السياسي وغير قادرة على تجاوز الخطوط الحمراء التي وضعها النظام بما في ذلك على العمل المشترك مع الإسلاميين والأطراف «الراديكالية».

٭ هناك من يتساءل: ما الذي جمعك أنت المعروف بتوجهاتك الإسلامية مع الدكتور المرزوقي المعروف بخطه العلماني في نفس الإطار؟

ـ عندما علمتُ، وأصدقائي الذين يشاركونني نفس التوجهات الفكرية العروبية ـ الإسلامية، بنيّة الدكتور المرزوقي وثلة من المناضلين تأسيس حزب سياسي، بادرنا بالاتصال به وعرضنا عليه توحيد الجهود والعمل مع بعضنا البعض من أجل تقديم نموذج جديد للالتقاء بين مختلف مكونات مجتمعنا من أجل تحقيق هدفنا المشترك وهو القضاء على الدكتاتورية وإرساء الجمهورية التي يتعايش فيها الجميع. وقد لقينا لديه ولدى بقية المؤسسين الترحاب والقبول. وأدرنا مشتركين حوارا عميقا وجادا حول أهم النقاط الخلافية وصلنا فيه إلى نقاط التقاء حبرناها في نصوصنا التأسيسية وبياناتنا. وقد اخترنا منذ البداية أن يكون الحزب غير إيديولوجي ومنفتح على كل الإيديولوجيات، واشترطنا للعضوية فيه الانفتاح والقبول بالآخر. وركزنا في كتاباتنا وعملنا على الكثير المشترك وعلى أهدافنا السياسية السامية. وقد اعترضتنا في البداية بعض المشاكل أساسا من طرف أعضاء لم يفهموا فلسفة الإلتقاء، أو من طرف متابعين ذهب متطرفوهم إلى تكفيري وبقية أصدقائي من ذوي «التوجه الإسلامي»، أو إلى «أسلمة» المرزوقي واتهامه بخدمة أجندة النهضة. غير أننا تجاوزنا تلك المشاكل بكثير من الحكمة، وأسسنا لعلاقات ودّ وثقة وتكاتف يندر وجودها على الساحة. وأحسب شخصيا أن «المؤتمر» كان مدرسة نضالية وأخلاقية تعلّمنا فيها جميعا قيم التعايش والتآزر خصوصا في ظل وجود قمم أخلاقية ومناضلة مثل الأخت نزيهة رجيبة (أم زياد) والأساتذة عبد الرؤوف العيادي وعبد الوهاب معطر ومحمد عبو وغيرهم من الأعضاء.

٭ تقولون إنكم تقاربتم كثيرا فكريا وأن حزبكم غير إيديولوجي، ولكننا نسمع من حين لأخر من الدكتور المرزوقي مواقف إيديولوجية علمانية صريحة من مثل موافقته أخيرا على مطلب «المساواة في الإرث بين النساء والرجال»، فما رأيكم في هذه المسألة؟

ـ التقارب الفكري الذي حصل بيننا هو أمر حقيقي تؤكده العلاقة الأخوية التي تجمعنا على أساس الاحترام المتبادل كما تؤكده النصوص التأسيسية لحزبنا التي تنص على هوية عربية إسلامية للحزب وعلى نظام «الحكم المدني» كأساس لحكم البلاد، وغير ذلك من المبادئ والقيم المشتركة. غير أن كل ذلك لا يعني أن يتخلّى كل منا عن قناعاته الشخصية العميقة. من هذا المنطلق أحترم رأي الدكتور المرزوقي في مسألة «المساواة في الإرث» المنبني على خلفيته الإنسانية الحقوقية، وأختلف معه باعتبار أن «الإرث» هو جزء من منظومة اجتماعية متكاملة وعادلة أنزلها المشرع الحكيم ولا يمكن أن يحوّر هذا الجزء بمعزل عن القضايا المتعلقة كالزواج والمهر والنفقة والطلاق وغيرها. وربما اختلفنا في بعض القضايا الجزئية الأخرى، ولكن القواسم المشتركة بيننا لا تحصى ولا تعدّ. ولدينا في حزب المؤتمر آلية ديمقراطية لاتخاذ القرارات وحسم الخلافات تعتمد الحوار الجاد والتصويت النزيه والقبول بالقرار الجمعي.
أما في خصوص الاتهامات التي تكال جزافا للدكتور المرزوقي بالإلحاد ومعاداة الهوية والانتهازية في التعامل مع الإسلاميين، فيمكن لي أن أؤكد من باب الشهادة وإحقاق الحق، أن فيها الكثير من الإجحاف والظلم للرجل الذي دافع عن هوية الشعب، والذي ظل طيلة العقدين الماضيين يدافع عن الإسلاميين أمام اضطهاد سلطة 7 نوفمبر، وأمام إقصاء جزء من النخبة السياسية المعارضة لها. وأعتقد أن تلك الاتهامات هي جزء من حملة مغرضة هدفها الأول تشويه الرجل وإفقاده شعبيته الكبيرة التي اكتسبها من نضالاته ومن خطابه الجريء ودعوته للثورة منذ سنوات عديدة، كما تستهدف الحملة من وراء المرزوقي حزب المؤتمر وما يمثله من أمل في الفوز بثقة الشعب في الاستحقاقات الانتخابية القادمة.

٭ ما هي حظوظ حزبكم في الفوز في الاستحقاقات الانتخابية القادمة في ظل الوفرة الكبيرة للأحزاب؟

ـ أولا أعتبر شخصيا أن وفرة الأحزاب مؤشر ايجابي على نضج شعبنا واستعداده للتنظم والمشاركة السياسية. ولا شك أن هذا المشهد الانتقالي سيتغير كثيرا خلال السنوات القادمة، وسيتطور طبيعيا نحو التكتل والتوحد في أطر حزبية كبرى ذات هويات وبرامج وتنظيمات جامعة.
أما في المشهد الحالي فما يميز حزب المؤتمر ويدعّم حظوظه في نيل ثقة نسبة معتبرة من التونسيين عوامل عدة أهمها: التاريخ النضالي للحزب ومؤسسيه الذين ظلوا طيلة عقد كامل رأس الحربة في مقاومة شعبنا ضد الدكتاتورية وفي مشاريع تجميع المعارضة وتكتيلها، وعدم التورط إطلاقا لا من قريب ولا من بعيد، قبل الثورة وبعدها، في التعامل مع النظام المتسلط على حساب الشعب. كما أن حزبنا يتميز بالانفتاح الإيديولوجي ويقدم لشعبنا خبرة عقد كامل من التعايش والالتقاء رغم الاختلافات. كما يتميز أيضا بانفتاحه على الشباب الوطني، الذين رفضنا أن نؤسس لهم أمانة خاصة بهم وأشركناهم في إدارة كل مؤسسات الحزب وفي صياغة برنامجه وأدبياته. وأعتقد جازما أن لدينا كل الحظوظ لنيل ثقة شعبنا ضمن تحالف واسع يشمل القوى المدافعة عن هوية شعبنا والمحافظة على أهداف ثورتنا المجيدة. ونحن الآن بصدد التشاور والتنسيق مع شركائنا في الساحة الوطنية من أجل ضمان تتويج هذه المرحلة الانتقالية بانتقال ديمقراطي حقيقي يؤسس لتجربة رائدة ستكون مثالا يحتذى للعالم أجمع.

٭ أنت الآن موجود بتونس بصفة وقتيّة ، فهل تنوي العودة للبلاد من أجل المشاركة في الحياة السياسية هنا، وكيف سيكون دور المهجرين في المرحلة القادمة؟

ـ أذكّر أوّلا أنني لم أختر الهجرة خارج تونس بل فرضت عليّ، مثلي مثل آلاف التونسيين من مختلف التوجهات الفكرية والفئات العمرية. وقد ظللنا طيلة العقدين الماضيين سندا لكل نضالات شعبنا داخل البلاد، وخضنا المعارك الحقوقية والإعلامية ضد الدكتاتورية، وساهمنا في تعرية النظام وإفقاده الكثير من شرعيته وسنده الدولي، إضافة إلى الإنجازات الجبارة التي تحققت في مجال العناية بالجالية والدفاع عنها في كل مكان. ثم إلتفتنا منذ سنوات معدودة لحقنا في العودة لبلادنا، وأسسنا منظمة دولية تنادي بالعودة الكريمة والآمنة وغير المشروطة، أتشرّف اليوم بمهمة منسّقها.
وقد جاءت الثورة المباركة لتحررنا من أسر التهجير وتعيدنا لوطننا في أجواء فرح وبهجة شملت كل البلاد من بنزرت إلى ذهيبة. الآن وقد رُفع سوط التهجير المفروض، فإن مسألة العودة ستصبح خيارا فرديا، لكل فرد حق اتخاذه من عدمه وتوقيت ذلك وشروطه.
أما بالنسبة لي شخصيا، فكلّي قناعة بضرورة العودة النهائية للمساهمة بجهدي المتواضع في الحراك الدائر وفي جهود التأطير والتأسيس ومشاريع التقارب، وأنا الآن عاكف على إعداد شروط عودتي ، وللمعلومة فإنني الآن بصدد طباعة كتاب يعرّف بالمهجّرين ويشرح لعموم التونسيين معالم تجربتهم ورؤاهم ونظرتهم لمسألة العودة وغيرها من المسائل.
وفي الختام أتوجه مجددا بالتحية إلى شعبنا الأبي الذي حرّر بلادنا من الطغيان وحرّرني وإخوتي المهجّرين من التهجير المفروض. إن شعبا صنع مثل هذه الثورة الخالدة لهو قادر على صنع المستقبل المزهر لتونس الغالية.

وقفة ـ الهيبة الزائفة

عاد جزء من شباب الثورة اليوم إلى ميدان القصبة.. عُزّلا مسالمين لا سلاح لهم سوى إرادتهم وإيمانهم بعدالة مطالبهم التي يتفق مع أغلبها جلّ التونسيين.
ارتفعت أصواتهم الهادرة بنشيد إرادة الحياة وبشعارات العزة والكرامة والعدالة.. وفي المقابل ارتفعت في وجوههم هراوات البوليس السياسي وعصيّ قوات "مكافحة الشغب" أو بالأحرى "مكافحة الشعب". وهي قوات أرسلتها حكومة وقتية مؤقتة.. نسيت بسرعة أو تناست أنها جاءت للوجود نتيجة اعتصام سابق للشباب ذاتهم في القصبة ذاتها.. لتفرض عليهم.. وعبرهم على كل التونسيين "هيبة" زائفة..
اختنق المعتصمون بغاز "الهيبة" وسالت دموعهم، كما سالت دماء قلّة منهم أصابتهم "الهيبة" إصابات بالغة.. وجاء ذلك العنف غير المبرّر ليبرّر الاعتصام الجديد، ويعطي المشروعية للمطلب الرئيس بالإلغاء الفعلي والنهائي لجهاز البوليس السياسي.. والقطع التام مع ممارسات العهد البائد .. ومع تصوّر بائد "للهيبة" يصوّرها في تضادّ وتنازع مع سيادة الشعب.
يا أيّها الذين آمنوا بالمواطنة والعدل والحرّية: لا هيبة لدولة تقمع شعبها.. ولا كرامة لشعب يقبل أن يُقمع قطاع منه ولو لم يوافقه المنهج.. ولا شرعية لحكومة تحاول فرض "هيبة" موهومة بأيادي غير نظيفة.