الجمعة، 31 مايو 2002

عكاظيّة الاستفتاء

بكلام مرتجف واضطراب والتكان وقرف، طلع علينا وزير البوليس، حارس أبواب الرئيس.. غارقا في العرق، مشبعا بالقلق .. بخدود شاحبة وعيون متعبة تتحاشى النظرات وترتهن العبرات: «أيها الشعب الكريم.. أعلن الآن هنا عن نتيجة الاستفتاء.. فاسمعوا لي بإصغاء: بعد الفرز والتبيين ظهر الحق المبين: خرجت اليوم كل الجماهير من كبير وصغير وغني وفقير وشريف وحقير ملبية دعوة صانع التغيير، رغم أحوال الطقس الشائنة ودعوات المقاطعة الخائنة، واتجه الجميع إلى مكاتب الاقتراع في أسمى مظاهر الاجماع، للتعبير عن مشاعر التأييد والتقدير للقائد الملهم بهيّ الأسارير .. من أنقذ البلاد ورفع شأن العباد وخلّصنا من الفساد.. و من حقق الوعود ونفّذ العهود وحمى الحدود وطهّر البلاد من كلّ معارض حقود...
 أيها الشعب الودود .. قد كان يوما موعودا وكنتم عليه شهودا.. ملأتم فيه الصناديق بـ «نعم» كعادتكم دوما أهل الكرم.
اجتنبتم كلكم كلمة «لا» وجنّبتم بذلك انفسكم وبلادكم ويلات البلاء.. وملأتم ولي نعمتنا وصانع مجدنا نخوة وانتشاء ... وصرفتم عنه، حفظه الله لنا، شماتة الاعداء.
أيها الشعب المؤمن.. لقد كان الله معنا هذا المساء وصاحبتنا بركة السماء، وتحققت المعجزات وتواترت الكرامات.. تصوّروا أننا لم نجد «لا» واحدة في الحاويات ... فقد تحوّلت كل اللاءات بفضل السبعة المباركة إلى «بلى».
أيها الشعب العتيد،.. يا سليل الأماجيد.. أعلن الليلة بكل افتخار أن مشروع الرئيس المفدّى فاز بكلّ أقتدار، وأنّ نسبة التصويت كانت بتسعات ثلاثة تتلوها تسعات وتسعات ومثلها من التسعات ... فالحمد لله الواحد القهّار الذي هداك سبيل الاختيار ووفقك إلى هذا القرار أن تتخذ من الرئيس المفدّى وليّا صالحا يحكمك الى الأبد ويضمن لك الرخاء والاستقرار.
أيها الشعب المدلّل، دستوركم صار معدّل ورئيسكم المفضّل صار عليكم منزّل.. كلامه صار قرآنا مطلوب منكم حفظه والعمل به وليس منه تحلل. وعمله صار مقدّسا لا ينقد ولا يجرح أو يعلل... فإياكم ثم إياكم أن تسمعوا فيه كلام الجمهوريين المضلل... وخذوا كل حذركم لأنّ أميركم المبجّل يحاسبكم جميعا عما تفعلون وهو عما عمل ويعمل ولم يعمل أصبح لا يُسأل....
انتهى قول الوزير .. وابتدى عهد مرير.. شعبنا أضحى كسير ... سلبوا منه الإرادة ... سحبوا منه السيادة ... هددوه بالإبادة ... سرقوا منه المصير، شعبنا أضحى غريق.. أشعلوا فيه حريق .. وَأَدُوا الماضي العريق.. منعوا عنه الصديق ... شغلوا عنه الرفيق ... أثخنوه في الدماء... وامتطوه امتطاء .. كذبوا عليه افتراء ... قالوا ولانا ارتضاء....
 أيها الشعب البطل ... كلنا فيك أمل .. أن تنهض قريبا وتنفض عنك الخوف والخجل ... انتفض وانهض .. وللظلم والطغيان ارفض .. وللعصابة المتسلطة التي تنهب خيرات بلادنا الفظ .. استعد سيادتك المسلوبة .. وكرامتك المضروبة .. وأعد لدولتنا المنكوبة شرعيتها المفقودة.
 وأقول في الختام .. أيها الشعب الهمام .. قم ونادي بالنضال وافرض اليوم النزال .. بسواعد الرجال و عزائم الجبال .. وستطرد الظلام وتستأصل الأورام وتحقق الأحلام .. فانطلق الى الأمام .. ولك منا السلام.

نشر بجريدة الشعب المصرية فو 31 ماي 2002