تمر اليوم، 21 ديسمبر 2010، الذكرى الثالثة لوفاة صديقي وأخي "قيس بلقاسم"، الرجل الصامد الثابت، الذي كان يواجه المصائب والابتلاءات بالبسمة الهادئة والحكمة الصامتة والسكينة والتعفف وعزة النفس ..
شرّد من البلاد في أول التسعينات وكان طالبا، دون أن يقترف ذنبا يستجوب النفي والتنكيل. وتنقل من بلد لآخر في ربوع إفريقيا، للدراسة أولا ثم للعمل في المؤسسات الخيرية الاغاثية، في انتظار صحوة ضمير لمقترفي كبيرة التشريد لم تأت أبدا ..
واجه مرضه بصبر ورباطة جأش أسطوريين. انتقل بعد جولات علاج في المغرب إلى اسطنبول، في طريقه إلى دولة أروبية، للجوء السياسي والمعالجة ..
ولكنه أدرك بيقين المؤمن أن قدر الله اقترب .. فاختار البقاء هناك في الأستانة .. ورفض بشدة فكرة السعي للعودة للموت في أرض الوطن .. بل أوصى بإلحاح الواثق بأن يدفن في اسطنبول وأن لا يعاد جثمانه إلى حيث أهله وذويه .. كي يبقى شاهدا على بشاعة جرم التهجير وعلى مرارة ظلم ذوي القربى.
رحمك الله أخي "قيس"، عشت عزيزا ومتّ كريما، وخلفت لمعشر المهجرين عبرة من ذهب .. لمن كان له عقل وقلب.
ليس حب الوطن في العودة اليه مطأطأ مرتجفا ... بل حب الوطن في العودة اليه عزيزا كريما: حيّا مرفوع الهامة رافعا لشارة النصر، أو جثمانا قرير البال ملفوفا في علم الوطن، أو ذكرا طيبا وعبرة للاجيال القادمة واسما على لوحات شوارع مدن البلاد وقراها ذات يوم يعود فيه المهجرون جميعهم، دون استثناء، الى ترابهم .. وتعود فيه الكرامة والعزة للتونسيين ..
يرونه بعيدا ونراه قريبا!
عماد الدائمي
)الصورة التقطتها في زيارة لمدينة اسطنبول في يونيو/جوان الماضي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق