الأحد، 12 ديسمبر 2010

حوار على صفحات الموقف ليوم الجمعة 10 ديسمبر 2010


عماد الدائمي، مهندس وخبير في أنظمة معلوماتية، واحد من الوجوه المهجرية البارزة، وهو منسّق «المنظمة الدولية للمهجّرين التونسيين » بعد ان ترأس المؤتمر لأول للمنظمة الذي انعقد بجينيف يومي 21 و 22 جوان 2009 . مهجّر عن تراب الوطن منذ نوفمبر 1991 وله كتاب «المهجّرون التونسيون: من هم؟ » الذي سيصدر في الأيام القريبة القادمة في باريس.


1-  كيف تقيمون أداء المنظمة الدولية للمهجرين بعد عام ونصف من تأسيسها، وهل ُتقدرون أنها حققت خلال الفترة الماضية ولو جزءا من الأهداف التي من اجلها أنشئت؟

إن تأسيس "المنظمة الدولية للمهجرين التونسيين" والزخم الكبير الذي واكب التأسيس وتلاه كان في حد ذاته إنجازا كبيرا للجسم المهجري التونسي الذي ظل طيلة عقدين كاملين رافدا لكل نضالات الوطنيين داخل البلاد وداعما لكل قضاياهم العادلة دون أن يلتفت لقضيته المباشرة قضية العودة للبلاد بعد طول تهجير.
وقد تمكنت المنظمة، بفضل تكاتف أعضائها وإيمانهم بعدالة قضيتهم وتحليهم بروح المسؤولية، من تجاوز الصعوبات والعوائق الذاتية والموضوعية التي كادت تعصف بها إثر ولادتها. وهي اليوم تتقدم بخطى متسارعة على درب إنجاز الأهداف التي اُنشئت من أجلها وتنزيل خطة العمل المتدرجة التي حددتها على هدي من مقررات المؤتمر التأسيسي وتوصيات الهيئة الادارية. حيث استكملت بناءها الداخلي، ثم توجهت الى الرأي العام المهجري تأطيرا وإقناعا بالمشروع وبجدوى العمل المنظم المشترك من أجل تحسين شروط العودة ووقف مسار الابتزاز والمساومة المعتمد من قبل المصالح القنصلية والأمنية. وتوجهت اثر ذلك الى الرأي العام الوطني والعربي والدولي تعريفا بالقضية وتحسيسا بعدالتها، واكتسبت تعاطفا واسعا داخل الوطن وخارجه. وقد أطلقت المنظمة أخيرا مرحلة جديدة هي مرحلة العمل الميداني المدعوم بتغطية اعلامية مكثفة من أجل التصدي للممارسات الابتزازية والمطالبة بحل عاجل وشامل لوقف المظلمة. ولا شك عندنا أن تحسين شروط العودة نسبيا، خلال هذه الصائفة، والتقليص من المضايقات للعائدين حديثا، إنما تيسر بفضل مجهوداتنا جميعا في التعريف بالقضية والإستنفار لها.
بقي أن أشير الى هدف آخر بدأت المنظمة تحقيقه ونأمل أن تتقدم فيه أشواطا أكبر في المدة القريبة القادمة هو هدف الحفاظ على ذاكرة المهجر، وتقديم خلاصات التجربة المهجرية التونسية ودروسها ورواياتها لعموم التونسيين وللأجيال القادمة.

2 - البعض يرى أنها فقدت الكثير من الزخم الذي رافق لحظة انبعاثها، هل توافقون هذا الرأي؟

لا شك أن المنظمة فقدت في مخاض التكوين والبناء بعضا من زخم التأسيس، حيث اصطدمت الاحلام والطموحات العظام التي ولّدها حدث المؤتمر التأسيسي المتميز (الذي حضره أكثر من 150 مهجّرا تونسيا قدموا من القارات الخمس) بصعوبات التنزيل في أرض واقع شديد التعقيد، وعلى أيدي فاعلين متعددي الرؤى والتصورات، ومتنوعي المشارب السياسية والفكرية، ومختلفين في الكثير من الأمور ولكن مجتمعين على ضرورة إيجاد حل عادل يكفل عودة آمنة وكريمة لكل المهجّرين. وقد كان السلوك الطبيعي أن انكفأت المنظمة الوليدة على نفسها طيلة أسابيع عديدة من أجل إتمام بناء هياكلها وحل مشاكلها وضمان وحدتها، قبل أن تعود من جديد للفعل الخارجي وتنفيذ خطة العمل واصدار المواقف. وهو ما أنتج حالة من الترقب لدى عدد من المهجّرين والمتابعين خارج البلاد وداخلها. ولكننا نجزم اليوم أن المنظمة هي بصدد استعادة زخم التأسيس بنسق متسارع في ارتباط بتقدمها في تحقيق الأهداف التي تأسست من أجلها.

3 – هناك من يرى أن الخلافات التي جرت داخل المنظمة أثرت على أدائها كيف تردون على ذلك؟ وما هي طبيعة هذه الخلافات، هل هي شخصية أم هي تتعلق بالتوجهات والتصورات العامة التي يجب أن تقود المنظمة؟

لا ننفي أن آداء المنظمة الخارجي تأثر كثيرا في البداية بالاختلافات في التقدير التي هي أمر طبيعي في العمل الجمعوي. ولكن الأكيد أن تلك الخلافات لم تكن ذات صبغة شخصية، كما لم تتعلق بالخط العام والتوجهات الكبرى للمنظمة التي حددها المؤتمر بوضوح. بل كانت متعلقة بتصورات شكل ادارة المنظمة. وقد حُلّ الخلاف، عبر الهيئة الادارية، بشكل حضاري تميّز بكثير من المسؤولية والحكمة في التعامل. وانتقلت المنظمة اثر ذلك إلى الفعل والحراك.

4 - ما هي ابرز التحديات والعوائق التي واجهتكم خلال الفترة الماضية؟

لقد كان التحدي الأكبر الذي واجهنا منذ تأسيس المنظمة هو الحفاظ على التوازن الصعب في الخطاب بين سلوك المطلبية والتدرج مع تجنب التصعيد والتشنج من ناحية، وبين الضغط والإحراج والدفاع عن الثوابت والمبدئية من ناحية أخرى. ونحسب أن خطابنا تطور تدريجيا بالممارسة والنقد البناء من قبل زملائنا في المنظمة وعموم المهجّرين والمتابعين.
أما عن أبرز العوائق التي تعرضنا لها فأذكر عائقين رئيسين: الأول هو عدم تفاعل السلطة مع مطالبنا العادلة، رغم كل الخطوات التي قمنا بها تجاهها. حيث قمنا بحملة مراسلات مكثفة إلى الجهات الرسمية من أجل المطالبة بحل القضية وطي صفحة الماضي شملت السادة رئيس الجمهورية والوزير الأول وزراء الخارجية والعدل والشؤون الاجتماعية، ورئيسي البرلمان ومجلس المستشارين، وقرابة الخمسين نائبا من نواب البرلمان، إضافة لمراسلة أغلب السفراء والقناصل التونسيين في العالم. ولم نلق لحد الان أي ردّ، مما يؤشر على غياب أي إرادة سياسية لوقف نزيف الغربة المفروض على أكثر من ألف تونسي في مشارق الارض ومغاربها، ولوقف أساليب الابتزاز السياسي والأمني والمالي التي تمارسها بعض المصالح القنصلية تجاه بعض الراغبين في "تسوية الوضع الاداري" والعودة للبلاد. ولو توفرت الارادة السياسية لتم حلّ القضية في أسابيع معدودة. وقد عبرنا مرارا عن استعدادنا للحوار والتفاوض لا على حقنا المقدس في العودة بل على آليات تنزيل ذلك الحق وجدولته.
أما العائق الثاني وهو متعلق بالأول، فيتمثل في يأس العشرات من المهجّرين التام من أي امكانية للعودة في ظل الوضع السياسي الحالي وعدم ثقتهم في أي ضمانات قد تعد بها السلطة، وهو ما يجعلهم غير معنيين بأنشطتنا.

5 –  من المؤاخذات التي توجه إلى المنظمة هيمنة لون سياسي معين عليها، كيف تردون على هذه المؤاخذات؟

يكفي اليوم النظر لتركيبة المكتب التنفيذي للمنظمة للتأكد من أن هذه الفرضية خاطئة ومجحفة. حيث أنه يضم أعضاء ممثلين لأغلب مكونات الطيف السياسي المعني بمأساة التهجير كما يضم مستقلين. والمكتب ليس إلا إفرازا للفسيفساء المشكّلة للجسم المهجري التونسي الثري بتعدده وتنوعه. ولعل هذا التوازن والتمثيل هو سرّ الإجماع الوطني الذي تحقق حول قضية عودة المهجّرين في الفترة الأخيرة.

6 –  بين من يدعون إلى حصر مهام المنظمة في المطالب المباشرة المتعلقة بالعودة إلى تونس، وبين من يطالبون بان تكون للمنظمة رؤية إستراتيجية تضع ملف العودة في إطار اشمل أي ضمن حل سياسي شامل لملف المهجّرين، بين هذا وذاك اين يجب أن تتموقع المنظمة حسب رأيكم؟

المنظمة تموقعت حيث وضعها المؤتمر التأسيسي، الذي اختار لها هوية مطلبية قانونية ووضع لها سقفا سياسيا لا يتعدى حدود استعمال وسائل الضغط المدني السلمي من أجل ايقاف مظلمة التهجير وتوفير شروط العودة الكريمة والامنة لأرض الوطن. غير أن معنى العودة الكريمة لا يقتصر في نظرنا على استرجاع جواز السفر والعودة الفردية الى ارض الوطن بل يفترض أيضا استرداد الحقوق المدنية بما فيها الحق في الفعل السياسي والمشاركة في الشأن العام دون قيد أو شرط.
وحيث أن نظرة المهجّرين لطبيعة العودة المنشودة تختلف من فرد لأخر (من عائد للاصطياف وزيارة الأهل مع تطليق السياسة ثلاث وصولا إلى راغب في العودة النهائية للبلاد للنضال والمشاركة الفعالة في الحياة السياسية أو الجمعياتية)، فإن المنظمة تعتبر نفسها اطارا لخدمة كل أصناف العودة تلك، مع اعتبار أن نقطة الالتقاء بين كل تلك "المشاريع" والتصورات هو مبدأ العمل المشترك من أجل تحقيق العودة الكريمة  للجميع .. فقط!
أما الحديث عن أبعاد استراتيجية كبرى، وعن حل سياسي شامل لملف المهجّرين فهو من قبيل الخلط بين دور منظمة مثل منظمتنا ودور الأحزاب السياسية المعنية بالعمل من أجل التفاوض مع السلطة أوالضغط عليها أو "المقاومة " أو "المشاركة " من أجل ايجاد الحلول الشاملة...

7 – أخيرا هل من فكرة عن البرامج او الخطط المستقبلية للمنظمة، وكيف تتصورون إمكانية تطوير آدائها؟

إن آداء المنظمة هو بصدد التطور والتصاعد. ونحن، في المكتب التنفيذي، نجتهد كل يوم للرفع من وتيرة حراكنا وذلك عبر استنفار عزائم وإرادات أعضاء المنظمة في مختلف المهاجر، الذين هم في أغلبهم من الكفاءات وأصحاب الخبرات العلمية والتجارب المؤسساتية حيثما كانوا، عبر حركية إعلامية داخلية مكثفة.
غير أننا حريصون في الآن ذاته على إتباع المنهجية المطلبية التدرجية التي اعتمدها المؤتمر التأسيسي، دون حرق للمراحل أو خلط للأوراق. وقد دخلنا أخيرا مرحلة التحركات الميدانية الاحتجاجية أمام التمثيليات الدبلوماسية التونسية في بلدان مهجرية شتى، من أجل الضغط الإعلامي والسياسي حتى تتوقف نهائيا كل الممارسات الابتزازية التي تمس من كرامة المهجرين ومن سمعة البلاد. وستتلو هذه التحركات خطوات تصاعدية سنعلن عنها في الإبان.
وندعو في الختام كل الوطنيين الأحرار للاصطفاف إلى جانبنا ومساندة حق شركائهم في الوطن المحرومين منه في العودة الكريمة والآمنة والشاملة، كي يلتئم الشمل ويجتمع الشتات ويعود الدر إلى معدنه.

جريدة الموقف ليوم 10 ديسمبر 2010



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق