بشرى لكل التونسيين في دولة القانون والمؤسسات: لقد صار لديهم مؤسسة جديدة أعلى من جل المؤسسات، رحيمة ذات قلب كبير، حنونة محبة للخير. مجال اختصاصها التونسيون العالقون بوهمهم في الخارج والهاجرون بمحض اختيارهم لوطنهم وذويهم، وسر قوتها ونفوذها الخارق، حسب ما تدعي، أنها عرفت الطريق السري والسحري إلى قلب المؤسسة العظمى في دولة المؤسسات: فخامة الرئيس !
مؤسسة تؤكد في "أدبياتها" أنها قادرة على صنع المعجزات: فتح الأبواب الموصدة وكسر الجدران السميكة وتنظيف السجلات "المحممة". بل يقسم بعض مناصريها، الذين اطلعوا على بعض أسرارها، بالثالوث المقدس، أنها تمتلك عصا تتكئ عليها قادرة على شق طريق في البحر المتوسط من مرسيليا الى حلق الوادي، كي يتمكن المستضعفون الغافلون من بني الوطن، الواقعون تحت سطوة فراعنة الغرب، من الفرار من بلاد الكفر حيث العنصرية والأزمة الاقتصادية والحمى الخنزيرية الى بلد الأمن والرخاء والسلامة...
هلا عرفتم، يا صحابة الغربة، هذه المؤسسة الرائدة ذات القلب الرحيم، حتى تهبوا زرافات ووحدانا لنيل رضاها والحصول على حمايتها والتعلق بأهدابها كي تعودوا إلى بلادكم سالمين غانمين وتطووا إلى الأبد صفحة المنفى اللعين. أم تراكم في غيكم سادرين فلم تعرفوا ليصدق فيكم حدس تلك المؤسسة الثاقب بأنكم لا تعرفون مصلحتكم ولا تفقهون الكثير من الأمور التي تدور من حولكم.
على كل حال، إن صعب عليكم الأمر والتبست الأشياء، فعودوا إلى ما عرفها به هارون أخو موسى في آخر الأسفار، حيث قال أنها "ذات اسم مركب وهاتف وعصا". اسم مركب من نصفين، النصف الأول يا صحبي اسم علم، والنصف الثاني لعمري، ليت شعري ربما أدركتم المقصود، إذ ليست المسألة بهذا التعقيد ...
دعونا من هذا الهراء، واعترفوا جميعا معي بأنكم انبهرتم مثلي بإرادة الخير والحرص على مصلحة التونسيين المهجريين، كي لا نقول المهجرين، المتجلي في أقوال تلك المؤسسة وأفعالها، وأن مسعاها تجاهكم لامس شغاف قلوبكم، وأنكم أقدمتم، تماما كما فعلت أنا، على تسجيل أرقام هواتف المؤسسة وعنوانها المذيلة في آخر كل نص من نصوصها لعل سلطان العقل الكامن في كيانكم ينتصر يوما على سلطان العاطفة، فتتصلون بها متضرعين، وتذكرونها بلقاء عابر منذ سنين، أو بصديق مشترك نال ثقتها .. عل قلبها يحن عليكم كما حن على الكثيرين ..
ولا أخفيكم السر أنني هممت أكثر من مرة بأن أهاتف الرقم السحري لأطرح سؤالا ساذجا بسيطا يترنح في الذهن والوجدان، مفاده يا صحبي، لعمري مادامت هذه المؤسسة تريد الخير للتونسيين وترغب في لملمة الجراح وطي صفحة الماضي وتعرف الطريق السري والسحري لقلب المؤسسة العظمى، وتمتلك العصا التي تشق البحار والمحيطات، وتعلو على المحاكم والمخابرات والسفارات، فلماذا لا تشير بعصاها على البناية الواقعة في آخر الطريق، فتنفتح الزنزانة التي تأوي الصادق شورو، أو تلك التي تضم عدنان الحاجي وصحبه، أو تلك التي تحوي المئات من الشباب المعتقل بتهم "إضمار النية واستبطان اللحية" ... حتى ترفع عن هؤلاء الغمة وتعود إلى ذويهم البسمة ؟؟
أظنكم تتوقعون مثلي الرد الذي سيصدر عن مؤسستنا التي فاقت في إنسانيتها مانديلا الهمام، والتي تحلم بالتأكيد بنيل نوبل للسلام... ستقول بالتأكيد أنه في دولة المؤسسات لا مجال لتداخل الاختصاصات وأن اختصاصها "الدستوري" الحصري في مسائل ما وراء البحار.. وأن عصاها من النوع الذي لا يصلح إلا مع البحار والمحيطات لا مع مجردة ونبهانة والسبخات.
هنا قف وأدرك يا صحبي، لعمري أن عصا تلك المؤسسة ستتحول، إن قدر لها أن تنجح في شق المتوسط وإعادة المغتربين فردا فردا بل قردا قردا، الى عصا "رحيمة" في يد أم المؤسسات : البوليس السياسي، تنتزع الاعترافات وتقتلع الذكريات عاما بعام ويوما بيوم وساعة بساعة.
هذه هي، يا صحبي، لعمري، حكاية المؤسسة الوطنية الجديدة التي تعلو على كل المؤسسات في دولة القانون والمؤسسات : اسم مركب وهاتف وعصا...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق