حاوره في باريس الطاهر العبيدي
اهتماما منا بالوضع التونسي الذي يشهد مخاضا في اتجاه نقلة ربما تغيّر المشهد السياسي بكل تفاصيله، الذي قد ينعكس على واقع البلاد، أو لعله يتخطى الحدود الجغرافية، من خلال المحطة الانتخابية التي ستقام يوم 23 أكتوبر (تشرين) 2011، من أجل انتخاب مجلس تأسيسي تتنافس على مقاعده عديد من الأحزاب المختلفة الألوان، والمتعددة التوجهات، والمتنوعة الرؤى. ومساهمة منا في مراقبة المشهد السياسي إعلاميا، ارتأينا إجراء سلسة من الحوارات مع مختلف الأطراف التي تشارك في هذا الاستحقاق، عبر قوائمها في المهجر، بين صفوف الجالية التي تشكل رقما عدديا معتبرا. وقد بدأنا دون اختيار تفاضلي، باستضافة المهندس «عماد الدايمي » رئيس قائمة فرنسا 1 عن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية ليكون هذا الحوار المباشر .
أنت رئيس القائمة الانتخابية لدائرة ( فرنسا 1) للترشح لانتخابات المجلس التأسيسي التونسي يوم 23 أكتوبر (تشرين) 2011 باسم حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي يقوده الدكتور: « منصف المرزوقي »، فما هي المقاييس المعتمدة لديكم لاختيار مرشحيكم، ولماذا أنت من تصدّر القائمة وليس غيرك ؟
شرفني زملائي في حزب المؤتمر بتقديمي لترأس قائمتنا في دائرة فرنسا1، وفق آلية ديمقراطية وشفافة بدأت بدعوة كل الأعضاء الذين يأنسون في أنفسهم الرغبة والكفاءة والاستعداد للتفرّغ لتقديم ترشحاتهم عبر موقعنا على الانترنت. ثم تولت المكاتب الجهوية دراسة كل الترشحات وترتيبها مع اعتماد شروط المناصفة والتمثيل المحلي والحضور الشبابي وأولوية أعضاء المكتب السياسي في ترأس القوائم، قبل عرضها على القيادة المركزية للمصادقة والاعتماد. أما عن سبب تصدّري للقائمة دون غيري فقد كان خيارا سلسا التقت فيه إرادة مناضلينا في فرنسا الذين ساهمتُ في ضمّ عدد كبير منهم للمؤتمر مع إرادة المكتب السياسي الذي أنا عضو فيه. وأريد التنويه أننا في قائمتنا نعتمد العمل الجماعي وأن كل الأعضاء هم على نفس درجة المسؤولية والحماس.
المواطن التونسي تشابهت عليه التسميات، وتشابكت في ذهنه المفردات، واختلطت عليه الأمور، حتى بات تائها في تحديد مصطلح « المجلس التأسيسي »، هل هو برلمان لأعضاء مجلس الشعب، أم مقدمة لصياغة دستور للبلاد، أم هو هيئة إشراف على إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية لاحقة، أم ماذا بالضبط، وما هي الخطوات التالية بعد هذه المحطة؟
المجلس هو برلمان تأسيسي يجب أن يجمع بين مسؤولية التشريع، أي صياغة الدستور، والتنظيم الوقتي للسلطة وضمان الفصل بينها، إلى حين تحديد معالم النظام السياسي الجديد للبلاد في دستورها الجديد. حيث يجب على هذا المجلس البدء أولا باختيار رئيس للجمهورية، ثم بإفراز حكومة ورئيسها، ثم بتنظيم المجلس الأعلى للقضاء، قبل أن يكتفي بدوره التشريعي وواجبه في مراقبة السلطة التنفيذية كبرلمان غير عادي.
وحيث أن هذه التجربة فريدة ونادرة لم تشهدها بلادنا إلا مرة واحدة عند تأسيس الجمهورية على إثر استقلال البلاد في ظل الحزب الواحد، فإنه علينا الاستفادة من التجارب الرائدة التي عرفتها بلدان أخرى أثناء الانتقال الديمقراطي لمعرفة مهمات المجلس التأسيسي ومدته. وهو ما قمنا به في حزب المؤتمر، ولدينا تصوّر كامل للتأسيسي ودوره وجدول أعماله ومدة ولايته.
جل التشكيلات السياسية التونسية أو كلها تتبنى في برامجها تحقيق أهداف المواطنة، والاعتناء بالتنمية الجهوية، والاهتمام بالمناطق المحرومة، وتحسين الأوضاع الاجتماعية، فماذا يميّزكم عن هذه البرامج المكرّرة، التي عادة ما تكون استهلاكا إعلاميا أكثر منه فعلا ميدانيا ؟
لست مخطئا في حكمك بتشابه برامج غالبية الأحزاب وتقارب أطروحاتها خصوصا في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، رغم اعتقادنا بأن برنامجنا يتميز عن البقية بالواقعية وبالطموح وبالابتعاد التام عن الأحكام المسبقة والمحددات الإيديولوجية والطابع الدعائي الاستهلاكي لبعض الوعود والأرقام. ونحن نعتقد أن أمام هذا السيل الهائل من البرامج والوعود الانتخابية والاشهارات السياسية المدعمة من المال السياسي المشبوه في أغلبه، فإن التونسيين سيحددون موقفهم من الأحزاب اعتمادا على معايير النضال ضد الدكتاتورية في مرحلة ما قبل الثورة، ونظافة الأيادي ووضوح الرؤية والانفتاح الفكري والإيديولوجي والدفاع عن الحريات والقضايا العادلة والتصدي بكل جرأة لكل النزعات التسلطية .. وفي كل هذه المجالات يتميز المؤتمر عن غيره من الأحزاب وهو ما يجعلنا نثق في اختيار شعبنا لنا.
ما هي أولوياتكم في هذه الانتخابات، واستشرافكم للمرحلة المقبلة، وتوقعاتكم للنتائج، وعلى أيّ أساس تعتمدون في ذلك؟
إن أولويتنا الرئيسية في هذه الانتخابات هي المساهمة في انجازها على أحسن الوجوه وبأقصى درجات الشفافية والمصداقية، وإقناع أكثر ما يمكن من تونسيين للمشاركة فيها، حتى يكون المجلس التأسيسي المنبثق عنها تام التمثيلية والشرعية. كما أننا نخوض مع أطراف سياسية وطنية أخرى معركة دون هوادة كي يكون ذلك المجلس مكتمل المهام والصلاحيات في مواجهة قوى مصلحية متنفذة فاقدة للشعبية تريد إفراغه من محتواه. يملؤنا اعتقاد بأن هذه الانتخابات ستنجح بإذن الله، وبأن شعبنا سيمنح القوى التي تؤمن بسيادته وتود مواصلة تحقيق أهداف الثورة ثقته وبأن المجلس التأسيسي، الذي نأمل أن يكون ملونا بألوان الطيف الوطني سينجح في وضع البلاد على سكة الاستقرار عبر إفراز حكومة وحدة وطنية نأمل في المشاركة فيها للانطلاق في انجاز المهام الوطنية المستعجلة.
حضرنا يوما إعلاميا للاطلاع على شكل معالجتكم لقضية الانتخابات، ولاحظنا نقلة نوعية من حيث الاعتماد على تصدّر الكفاءات الشابّة، وفسح المجال لأهل الاختصاص من الشباب الذي يجيد لغة التكنولوجيا وفهم الواقع للتطرق إلى كيفية الانتخابات وفق مفاهيم علمية ومناهج تقنية وروح عصرية. فهل هذا الخيار هو قناعة لدى حزبكم في تبني عقلية تحديثية تولي اهتماما للكفاءات قبل الولاءات؟
كانت لديدنا قناعة في حزب المؤتمر مباشرة بعد الثورة أن الثلة المؤسسة للحزب، التي قادت مرحلة المقاومة ضد الدكتاتورية، لم تكن مؤهلة لتقود وحدها مرحلة البناء ولترفع تحديات تأسيس البنية التنظيمية والإعلامية والمضمونية للحزب، ففتحنا أبواب مؤسساتنا على مصراعيها لشباب وطني مثقف وطموح، وأعطيناهم مسؤوليات كاملة أبدعوا في إنجازها بكل تفان وتلقائية. وقد أدخل هؤلاء الشباب روحا جديدة للحزب، واعتمدوا في عملهم وسائل تقنية حديثة وروح عصرية منفتحة، وهو ما مكننا من جلب خبرات شبابية متعددة لا تعترف بمنطق الولاء والتحزب الأعمى وتنفيذ الأوامر المسقطة، بل بالمشاركة الفعالة والنقد البناء وحرية المبادرة.
مركز العميد « محمد شقرون » للبحوث والدراسات الذي بشّر بميلاده حزبكم، فأيّ القضايا التي سيختصّ بها، ومن أيّ" مكان سيكون انطلاقته، وهل هو مفتوحا على الطاقات الخارجية، أم هو حكرا على العناصر التنظيمية ؟ ومن أين يستمدّ دعمه المادّي؟
مركز العميد محمد شقرون للبحوث والدراسات هو مؤسسة بحثية مستقلة هيكليا عن تنظيم المؤتمر، وتضم باحثين ومثقفين من داخل الحزب وخارجه. وقد عهد برئاسته لشخصية شابة مثقفة مشهود لها بالاستقلالية والكفاءة والنضالية في شخص الدكتور« طارق الكحلاوي »، تأكيدا على انفتاح المركز وعدم نيته التقوقع على الذات. سيبدأ المركز نشاطه هذا الأسبوع بالإشراف المضموني على الجامعة الصيفية لحزب المؤتمر، ثم سيتجه لتنظيم ندوات وأنشطة فكرية حول قضايا التنمية وحول التحديات السياسية والإستراتيجية لتونس ما بعد الثورة وحول مشروع إتحاد الشعوب العربية الحرة وغيرها .
أما التمويل، فسيبحث المركز عن شراكات مع مؤسسات تونسية خاصة للتنظيم المشترك للأنشطة وسيسعى لبيع عدد من الدراسات والخدمات العلمية والبحثية.
لكم مُؤاخذات حول الهيئة الفرعية المستقلة للانتخابات بفرنسا، وفق ما عبرتم عنه كتابيا في موقع تونس نيوز بتاريخ 5 - 9 - 2011 ، حيث شككتم صراحة في نزاهة واستقلالية هذه الهيئة، وأنها ذات لون واحد، وتوجه يساري يطغى على كل فروعها بما فيها الهيئة المركزية، هل يعني هذا أن لكم تخوّفات من هذه الهيئة التي لا تحظى بثقة لديكم خصوصاً وأنها محل جدل العديد من الفاعلين السياسيين؟
لدينا مؤاخذات كثيرة حول الطريقة التي تم اعتمادها في تعيين أعضاء اللجان الفرعية للانتخابات في فرنسا. حيث لم تتميز تلك التعيينات بالحدود الدنيا من الشفافية المطلوبة وشابتها خروقات خطيرة من قبيل عدم التقيد بالآجال القانونية للإعلام بطلب الترشحات لمصلحة عدد من المقربين من مسئولي الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، والتدخل المفترض لدى تلك الهيئة لتعيين أشخاص دون غيرهم، واستبعاد شخصيات وطنية مشهود لها بالنزاهة والاستقلالية والنضال ضد الديكتاتورية، وقدم المؤتمر دلائل لا شبهة عليها على هذه الخروقات. وقد ساهم كل هذا في بروز تركيبة ذات لون واحد مع بعض الاستثناءات، وفي إنشاء مناخ من الريبة وعدم الثقة لدى قطاعات واسعة من التونسيين بفرنسا. وقد التقينا المسئولين عن الهيئة الفرعية للانتخابات بفرنسا وطالبناهم بتوسيع الهيئة وضمّ شخصيات وطنية مستقلة لاستعادة الثقة وتجاوز كل المخاوف، كما طالبناهم بتوفير كل الضمانات الضرورية حتى تكون العملية الانتخابية على أقصى قدر من الشفافية والمصداقية، ولا زلنا ننتظر إجراءات عملية.